13 ذو القعدة 1436

السؤال

معاملتي مع زوجتي تقوم على التشاور والموافقة على معظم ما تريد.. وبطيبة مني.. لكن لاحظت أنها أصبحت لا توافق من جهتها في كثير من الأمور على ما أرغب.. وأصبحت تناطحني وتناقشني في جميع الأمور التي تحدث بيننا، ولا توافق لي على كثير مما أرغب.. فما نصيحتكم؟ ولكم كل التقدير والاحترام.

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

مرحبا بك أخي الكريم في موقع المسلم.. وفقك الله لما يحبه ويرضاه ويسر أمرك وأصلح لك شأنك كله.
أخي الكريم
أريد في مستهل كلامي معك أن تستحضر إيمانك بأن ما شرعه الإسلام وسنّه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وقرره من الوصاية بالمرأة خيرا، ووصفها بالضعف، وأن في طباعها عوجا يحتاج لحكمة ورفق وعشرة بالمعروف.. إلى غيرها من الوصايا الكريمة الحكيمة.. إنما هي السبيل الأمثل والأقوم والمنهاج الحق لصلاح البيوت والعلاقة الزوجية.
وكم يخطئ الفهم من يظنها مجرد وصايا للتحلي بالصبر وتحمل الأذى لكسب الثواب الأخروي؛ والحقيقة أنها إلى جانب ذلك (وهو الأهم والأعظم – طلب مرضاة الله ومثوبته -) هي منتهى الحكمة والهدى والسداد في التعامل وقيام الرجل بدوره في رعاية بيته ومن استرعاه الله تعالى من زوجة وذرية.
وقد أردت بهذا التمهيد أخي الكريم.. أن ألفت انتباه عقلك وقلبك إلى ما فيه الخير لك ولكل مسلم بإذن العليم الحكيم.
أخي الفاضل
لقد خلق الله تعالى الرجل والمرأة على تفاوت بينهما في كثير من الصفات؛ ليكمل كل منهما الآخر في رحلة الحياة المشتركة؛ كل بما حباه الله من خصائص.
وجعل جل وعلا بينهما مودة ورحمة.. يتجليان في مظاهر عديدة، منها تقدير كل منهما لدور شريكه، ومن ثم يحمله هذا التقدير على رحمته به فيما يبدر منه من أمور قد تسوؤه.
وفي هذا جاءت الوصية الكريمة من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر".
جاء في كتاب "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" في شرح هذا التوجيه النبوي الكريم: "هذا الإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم، للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته، والنهي عن الشيء أمر بضده. وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛ فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئا واحدا أو اثنين مثلا، وما فيها مما يحب أكثر. فإذا كان منصفا غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها. وبهذا: تدوم الصحبة، وتؤدى الحقوق الواجبة المستحبة. وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله.
وأما من غض عن المحاسن، ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة، فهذا من عدم الإنصاف. ولا يكاد يصفو مع زوجته. والناس في هذا ثلاثة أقسام:
أعلاهم: من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن، وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها.
وأقلهم توفيقا وإيمانا وأخلاقا جميلة: من عكس القضية، فأهدر المحاسن مهما كانت، وجعل المساوئ نصب عينيه. وربما مددها وبسطها وفسرها بظنون وتأويلات تجعل القليل كثيرا، كما هو الواقع.
والقسم الثالث: من لحظ الأمرين، ووازن بينهما، وعامل الزوجة بمقتضى كل واحد منها. وهذا منصف. ولكنه قد حرم الكمال.
وهذا الأدب الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم، ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشرين والمعاملين; فإن نفعه الديني والدنيوي كثير، وصاحبه قد سعى في راحة قلبه، وفي السبب الذي يدرك به القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة؛ لأن الكمال في الناس متعذر. وحسب الفاضل أن تعد معايبه. وتوطين النفس على ما يجيء من المعاشرين مما يخالف رغبة الإنسان، يسهل عليه حسن الخلق، وفعل المعروف والإحسان مع الناس.. والله الموفق". (انتهى).
فضع أخي نصب عينيك هذا الميزان في تعاملك مع زوجتك!
بل انظر لنفسك.. فلا شك أنك لا تحب منها أن تهدر محاسنك الكثيرة وعشرتك الطيبة لخلق أو عيب يبدر منك؛ فقس على ذلك، وأحب لها ما تحب لنفسك!
كيف وهي الأضعف تكوينا واحتمالا؟! وقد شدّد نبي الإسلام في حقها.. لهذا الضعف الذي يعتريها؛ فقال صلى الله عليه وسلم موصيا رجال أمته: "اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني) والمعنى: أي أضيق على الناس في تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك (شرح السندي).
فاستعن بالله أخي.. واعلم أن في صبرك الجميل وتعاملك الحكيم تجاه ما يبدر من نقاش وعناد مع زوجتك خيرا كثيرا، طالما أن ذلك في أمور محتملة وشوؤن دنيوية، كما هو الظاهر من كلامك. وستجد أثر ذلك في نفسها ولو بعد حين؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا؛ فاستبشر بحسن العاقبة للخلق الحسن والصبر الجميل من جانبك، واعلم أنه هو منهاج الإسلام في العشرة بالمعروف.
أما إذا كان النقاش والعناد في أمور تتعلق بواجبات الدين والحلال والحرام؛ فتحتاج هنا – إلى جانب الرفق والحكمة في النصح – إلى الحزم مع الهدوء وضبط النفس، فلا تتساهل في معصية الله تعالى؛ وعظها وذكّرها بالمعروف والرفق.
ولا تنس أخي – مع ما سبق من وصايا – دعاء الله تعالى فيما أهمّك وطلب معونته؛ فهو سبحانه مقلب القلوب ومصرفها، والدعاء يدفع البلاء بإذنه جل وعلا.
أسأل الله تعالى أن يؤلف بينكما ويصلح ذات بينكما، ويرفع عنكما أسباب الخلاف والشقاق، ويوفقكما لما يحبه ويرضاه.