قرار التقوى ... والخطوات إليه
22 رمضان 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

 

أهم ما يبتدىء به أي ناصح حول التقوى هو باب العقيدة في الله , فهي أول ما ينبغي أن يتفقده المؤمن إذا أراد ولوج باب التقوى , فالقلب السليم الذي هو مدار التقوى عماده الاساس نقاء العقيدة , والبعد عن الشبهات , والإيمان بصفات الله واسمائه , وأعمال القلوب التي اساسها الثقة بالله سبحانه واللجوء اليه .

 

ثم يهمني ههنا أن أؤكد على خطوات اساسية في سبيل التقوى قد توفر على الإنسان وقتا طويلا وبحثا مرهقا , فالمرء  إذا ذهبت به مدارات الحياة بعيدا عن التقوى استشعر فقدانا ما في قلبه , وتجويفا فارغا في صدره , لا يدري سببه ولا يفهم كيف يسده , فيبقى متقلبا بين وجهات مختلفات , يبحث فيها عن شفاء لعلته فلا يجد .

 

ذلك المرء يحتاج أن يكون صادقا مع نفسه , واضحا بشأن حاله , وعليه أن يقرر بكل حزم , هل هو يحتاج إلى القرب من الله سبحانه , والولوج في كنف التقى ,  أم إنه سعيد بحياته التافهة الهشة الفانية تلك التي يحياها باحثا عما يشتهيه مكتفيا بالقرب على استحياء من معاني الاستقامة ؟

 

فإن قرر السعي النوراني المخلص قربا من مرضات الله سبحانه , فليعلم أن لذلك تبعات ومسئوليات , أهمها تقديم محبات الله سبحانه ومرضاته على شأن الحياة وما فيها , والسعي بشكل تصاعدي نحو العبودية التامة لله رب العالمين , والتطهر من كل ذنب مضى , والندم عليه , والعزم الأكيد على الإصلاح المستقبلي مستعينا في ذلك بالإخلاص لله والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم .

 

الدافع الذي يمكن أن يستعين به هذا الساعي نحو التقوى , ليخرجه من حال الركون إلى الدنيا إلى حال السعي للجاد للعبودية , هو الإيمان باليوم الآخر , ووضعه نصب عينيه , والعمل له , والاستعداد للموت والرحيل عن الحياة في وقت ما , لا أقول ههنا أن يدع دنياه وينطوي أو ينزوي عنها بالكلية , بل يأخذ منها ما يصلح آخرته , من إصلاح فيها وإيجابية نحوها ونحو الناس من حوله فيما يرضي الله سبحانه ويكون عونا له في طريقه .

 

يأتي ههنا دور المراجعة الذاتية للنفس , ومحاسبتها , والوقوف على مدى تقصيرها في جنب الله سبحانه , ومن ثم المسارعة الى التوبة النصوح والاستغفار المتكاثر المتتابع الملح , حتى يستشعر من نفسه أنه وضع قدمه على باب الطهارة القلبية , والنقاوة انفسية ..

 

عندها يلجأ إلى المناجاة بالدعاء والرجاء لربه الرحمن الرحيم سبحانه , معترفا صادقا مخلصا , يسأل ربه من كل خير , ويستعيذ به من كل سوء , ويتوكل عليه في كل شأنه , متبرئا من حوله وقوته إلى حول الله سبحانه وقوته .

 

إنها خطوات غير منقطعة , بل متداخلة , ومستمرة , ودائمة , ومتجددة , والمرء في كل خطوة يستطيع أن يرتقي في درجات تطبيقها أكثر فأكثر تبعا لمدى إخلاصه وصدقه وجديته نحو هدفه .

 

ولاشك أنه عبر سيره ستعترضه العوائق وتعتوره العلائق , لكنه عندئذ يستعين بربه لجوئا ورجاء ودعاء أن ينصره على تلك العوائق , ويقويه على تخطي العلائق , فإن هبط به مسار الإيجابية في طريق الاستقامة ساعة فلا ينزعج , بل يسارع بالتوبة والاستغفار , ويحزم أمره , ويعود الى السبيل من جديد , فالإيمان يزيد وينقص , وللشيطان لمة وللملك لمة , فلينتهز لمة الملك ويستعيذ بالله من لمة الشيطان .

 

ذلك المؤمن الجاد سيجد قلبه بعدها يبتدىء بالاستشعار بلذة التقوى وأثر سريانها في عروقه , قال سبحانه :" والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ... فيثبت على الخير الذي بلغه , ويسأل الله الزيادة , ويتعلم العلم الذي به يحافظ على صواب الأداء في العبودية , ويتخذ الخطوات التي بها يؤكد جديته في قرار التقوى ... فالصلاة نور , والصدقة برهان , والصبر ضياء , والقرآن حجة , والأخلاق شعار الإيمان , وذكر الله أكبر .