التربية بالثقة .. عندما يفشل الضغط والمراقبة
10 ذو القعدة 1436
د. خالد رُوشه

[email protected]

  اسلوب مؤثر من أساليب التربية , قد أثبت جدواه , وفعاليته , وأثره الإيجابي في تربية الابناء ,وهو منهجي من منهج الإسلام في تربية الابناء ,  ذلكم هو أسلوب التعامل بالثقة معهم .

 

ولكي أكون أكثر وضوحا , فإليك هذا المشهد الصغير المتكرر في بيوتنا :

 

" - الوالد : أين تذهب يابني ؟

- الابن : ذاهب لحلقة الحفظ

- الوالد : اذهب , لكن إياك أن تهرب وتذهب الى مكان اللعب "

 

فماذا تتوقع أيها القارىء من وقع تلك الكلمات على الابن على المستوى النفسي والتربوي إن هي تكررت ؟!

 

إن وقعها قد يكون صمتا وسكوتا مع كبت نفسي وتخزين سلبي , وقد يكون كالتالي " يقول الولد في نفسه : كل مرة تكرر علي نفس التحذير وكأنني أكذب عليك ياأبي , وكأنني سبق وهربت أو لعبت , إن كثيرا من الأولاد بالفعل يهربون ويلعبون وآباؤهم لايعرفون , وأنا أنتظم واصدق وأنت لا تثق في "

 

واليك هذا المشهد الآخر :

 

" - الاب : هات جوالك ياولد لأنظر ما فيه !

- الابن : جوالي ليس فيه شىء سيىء ياأبي

- الاب : أنا لا أصدقك إلا بعيني , دعني أبحث عن اي شىء سىء فيه

- الإبن : تفضل وابحث كما تشاء .

- الاب : لعلك ظننت انني سأفتشه فقمت بمسح الصور السيئة منه , لك ان تنتظر مني في اي وقت أن أفتشه فاحذر ."

 

ماذا تتوقع أيها القارىء عن وقع هذه الطريقة على الإبن ؟!

 

إن وقعها قد يكون صمتا وسكونا مع تخزين سلبي , وقد يكون هكذا : إذ يقول الإبن في نفسه : " ابي لا يثق في , ويسىء الظن بي دائما , ولا يثق في أخلاقي , ويظنني سىء الخلق أتابع الأمور الخليعة والسيئة , على الرغم من كوني لا أفعل , وحتى لو فعلت هل يظن أن ما يفعله سيمنعني عن الخطأ إذا أردت فعله ؟! إن الصور موجودة في كل مكان .. !"

 

إن هذين المشهدين وأمثالهما كثير , لا يساعدان ابدا في تربية الأبناء على الصورة الإيجابية , بل يصبان في الحالة السلبية التي قد تعطينا شخصيات غير مستقيمة .

 

لقد كان لي صديق متدين صاحب خلق , وكان يخاف على ابنائه كثيرا , فيضغط عليهم في المطالب التي يراها حسنة , ويوجب عليهم ما يراه من الأعمال , حتى إنه كان يراقبهم بعدما يخرجون من البيت , ومرة بعد مرة علم الأبناء ذلك وتمردوا على تلك الطريقة ,,, وكانت النتيجة بعد فترة أنهم اعوجت سلوكياتهم !

 

لست أرفض مراقبة الأبناء , بل إنني أحبذ مراقبتهم ومتابعتهم , والحرص على معرفة صديقهم وطريقهم وفيم يقضون أوقاتهم , لكن يجب علينا أن نفعل ذلك بحكمة وذكاء .

 

حكمة تجعلهم يصدقون معنا , وذكاء يجعلهم لايشعرون بالضغط عليهم منا .

 

 

الوسيلة المثلى التي تجمع ذلك كله هو أن نبث فيهم أننا نثق فيهم , نثق في أخلاقهم , وفي تحملهم المسئولية , وفي حسن تصرفهم , وفي ذكائهم , ودينهم .

 

 

لست معوذا ههنا أن أقول إن هذه الثقة هي ثقة الحكماء , الفطنين , الذين يعرفون أبناءهم وطبائعهم , ويفرقون بين الثقة والتسيب , فلا تنقلب ثقتهم فيهم غفلة عنهم , أو دعما لأخطائهم .

 

 

كذلك فإن هذه الثقة التي أتحدث عنها لابد أن تتوافق مع أعمار الأبناء , فإن الأعمار الصغيرة تتطلب قدرا من المراقبة مضاعفا , وكلما كبر عمر الولد كلما احتاج لهذا المعنى الذي نتحدث عنه , ولكن من المناسب أن يكبر معه هذا المفهوم , فنبني فيه الشخصية القويمة .

 

 

تعال نكرر على مسامع أبنائنا تلك الكلمة الرائعة الرنانة المؤثرة " يابني أنا أثق فيك " , " يابني أنا أعلم أنك من خلفي أفضل منك وأنت أمامي " , " يابني الناس يحتاجون لمتابعة ابنائهم أما أنا فابني كله ثقة " ... وهكذا

 

تعال ننبه عليهم السلبيات تنبيها بأساليب مختلفة ليس فيها نقل سوء الظن بهم اليهم , ولا توقع الكذب منهم .

 

تعال نذكرهم بالله سبحانه السميع البصير , ونفهمهم معنى المراقبة , ومعنى المسئولية الفردية .

 

تعال نفهمهم أنهم قدوة لغيرهم , وأنهم أهل للفضائل وأنهم أصحاب مروءات .

 

تعال نستغل الفرصة المناسبة لنحكي لهم عن قصص في مروءة الأبناء وكيف أنهم كانوا عند حسن الظن .

 

تعال بنا نحملهم مسئولية عمل مؤقت ونتركه لهم بالفعل , ونمدحهم إن هم أجادوا , ونعلمهم إن هم أخطؤوا ..

 

                                                                                                         وللحديث بقية – ان شاء الله -