
اسلوب مؤثر من أساليب التربية , قد أثبت جدواه , وفعاليته , وأثره الإيجابي في تربية الابناء ,وهو منهجي من منهج الإسلام في تربية الابناء , ذلكم هو أسلوب التعامل بالثقة معهم .
ولكي أكون أكثر وضوحا , فإليك هذا المشهد الصغير المتكرر في بيوتنا :
" - الوالد : أين تذهب يابني ؟
- الابن : ذاهب لحلقة الحفظ
- الوالد : اذهب , لكن إياك أن تهرب وتذهب الى مكان اللعب "
فماذا تتوقع أيها القارىء من وقع تلك الكلمات على الابن على المستوى النفسي والتربوي إن هي تكررت ؟!
إن وقعها قد يكون صمتا وسكوتا مع كبت نفسي وتخزين سلبي , وقد يكون كالتالي " يقول الولد في نفسه : كل مرة تكرر علي نفس التحذير وكأنني أكذب عليك ياأبي , وكأنني سبق وهربت أو لعبت , إن كثيرا من الأولاد بالفعل يهربون ويلعبون وآباؤهم لايعرفون , وأنا أنتظم واصدق وأنت لا تثق في "
واليك هذا المشهد الآخر :
" - الاب : هات جوالك ياولد لأنظر ما فيه !
- الابن : جوالي ليس فيه شىء سيىء ياأبي
- الاب : أنا لا أصدقك إلا بعيني , دعني أبحث عن اي شىء سىء فيه
- الإبن : تفضل وابحث كما تشاء .
- الاب : لعلك ظننت انني سأفتشه فقمت بمسح الصور السيئة منه , لك ان تنتظر مني في اي وقت أن أفتشه فاحذر ."
ماذا تتوقع أيها القارىء عن وقع هذه الطريقة على الإبن ؟!
إن وقعها قد يكون صمتا وسكونا مع تخزين سلبي , وقد يكون هكذا : إذ يقول الإبن في نفسه : " ابي لا يثق في , ويسىء الظن بي دائما , ولا يثق في أخلاقي , ويظنني سىء الخلق أتابع الأمور الخليعة والسيئة , على الرغم من كوني لا أفعل , وحتى لو فعلت هل يظن أن ما يفعله سيمنعني عن الخطأ إذا أردت فعله ؟! إن الصور موجودة في كل مكان .. !"
إن هذين المشهدين وأمثالهما كثير , لا يساعدان ابدا في تربية الأبناء على الصورة الإيجابية , بل يصبان في الحالة السلبية التي قد تعطينا شخصيات غير مستقيمة .
لقد كان لي صديق متدين صاحب خلق , وكان يخاف على ابنائه كثيرا , فيضغط عليهم في المطالب التي يراها حسنة , ويوجب عليهم ما يراه من الأعمال , حتى إنه كان يراقبهم بعدما يخرجون من البيت , ومرة بعد مرة علم الأبناء ذلك وتمردوا على تلك الطريقة ,,, وكانت النتيجة بعد فترة أنهم اعوجت سلوكياتهم !
لست أرفض مراقبة الأبناء , بل إنني أحبذ مراقبتهم ومتابعتهم , والحرص على معرفة صديقهم وطريقهم وفيم يقضون أوقاتهم , لكن يجب علينا أن نفعل ذلك بحكمة وذكاء .
حكمة تجعلهم يصدقون معنا , وذكاء يجعلهم لايشعرون بالضغط عليهم منا .
الوسيلة المثلى التي تجمع ذلك كله هو أن نبث فيهم أننا نثق فيهم , نثق في أخلاقهم , وفي تحملهم المسئولية , وفي حسن تصرفهم , وفي ذكائهم , ودينهم .
لست معوذا ههنا أن أقول إن هذه الثقة هي ثقة الحكماء , الفطنين , الذين يعرفون أبناءهم وطبائعهم , ويفرقون بين الثقة والتسيب , فلا تنقلب ثقتهم فيهم غفلة عنهم , أو دعما لأخطائهم .
كذلك فإن هذه الثقة التي أتحدث عنها لابد أن تتوافق مع أعمار الأبناء , فإن الأعمار الصغيرة تتطلب قدرا من المراقبة مضاعفا , وكلما كبر عمر الولد كلما احتاج لهذا المعنى الذي نتحدث عنه , ولكن من المناسب أن يكبر معه هذا المفهوم , فنبني فيه الشخصية القويمة .
تعال نكرر على مسامع أبنائنا تلك الكلمة الرائعة الرنانة المؤثرة " يابني أنا أثق فيك " , " يابني أنا أعلم أنك من خلفي أفضل منك وأنت أمامي " , " يابني الناس يحتاجون لمتابعة ابنائهم أما أنا فابني كله ثقة " ... وهكذا
تعال ننبه عليهم السلبيات تنبيها بأساليب مختلفة ليس فيها نقل سوء الظن بهم اليهم , ولا توقع الكذب منهم .
تعال نذكرهم بالله سبحانه السميع البصير , ونفهمهم معنى المراقبة , ومعنى المسئولية الفردية .
تعال نفهمهم أنهم قدوة لغيرهم , وأنهم أهل للفضائل وأنهم أصحاب مروءات .
تعال نستغل الفرصة المناسبة لنحكي لهم عن قصص في مروءة الأبناء وكيف أنهم كانوا عند حسن الظن .
تعال بنا نحملهم مسئولية عمل مؤقت ونتركه لهم بالفعل , ونمدحهم إن هم أجادوا , ونعلمهم إن هم أخطؤوا ..
وللحديث بقية – ان شاء الله -