الصحة النفسية للأبناء .. ودور الآباء فيها
17 ربيع الأول 1437
د. خالد رُوشه

[email protected]

أبناؤنا مكون قابل للتشكيل والتقويم مادام في مراحله الأولى من حياته , كما أنهم مكون قابل للتأثر من جميع المؤثرات التي تحيط بهم .

 

 

تتراكم في ذاكرتهم شتى المواقف السلبية والإيجابية , وتتلاقى مع مكوناتهم النفسية , ونتاج العملية التربوية التي يتعرضون لها , فتتكون شخصياتهم المتفردة , ومع مرور الوقت وتتابع الأحداث تترسخ الصفات الإيجابية كما تجد الصفات السلبية طريقها إلى تلك الشخصيات الصغيرة .

 

 

إنهم يولدون على الفطرة الطاهرة النقية , ثم يتأثرون – بيئيا - بما يلاقونه من المجتمعات من حولهم , ومن المربين , ومن الآباء والأمهات , كما أنهم يكونون هدفا للشيطان الرجيم لنفخه ونفثه ووسوسته وتزيينه وإضلاله .

 

 

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم صريح في ذلك , مما رواه مسلم " يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " , والحديث القدسي :" إني خلقت عبادي حنفاء , فاجتالتهم الشياطين "

 

 

من هنا كانت أهمية الدور النفسي والتربوي للوالدين , إذ إنه يمثل الإطار الأول الذي تتشكل على اعتباره شخصية الأبناء , وتترسخ على إطاره صفاتهم .

 

 

الصحة النفسية للأبناء تكاد تكون أهم من الصحة البدنية , إذ معها يصح القلب , ويطهر الصدر , ويقبل الابن على السلوك القويم , وينفر من الانحرافات بشتى أشكالها .

 

 

ومع الأسف فإن بعض الآباء يكتفون بدور الإنفاق و كفالة الأمان لأسرته والقيام ببعض الأعمال التي تدور في فلك الاسترزاق والحماية , ويغفل كثيرون منهم عن الدور النفسي الذي هو الأهم على الإطلاق .. فقد يكتفي الأبناء بالقليل من الرزق , إذا كان عندهم الكفاية القلبية والنفسية وقد يكتفون بالقليل من التأمين إذا قويت قلوبهم واستطاعوا مواجهة تقلبات الأيام , وما القوة النفسية والقدرة على مواجهة المشكلات إلا أثرا من آثار قوة القلب التي هي أثر من آثار التربية الوالدية ..

 

 

كثير من الآباء يعتبرون أبناءهم نماذج مكرورة أو آنية فارغة , ويغفلون عن كونهم تركيبات نفسية مستقلة تتأثر بما يحيط بها , وتكّون أحجار أسسها مما يمر بها من أحداث وخبرات .

 

 

وصحة الابناء النفسية هي الدافع وراء النجاح في الحياة بشتى مظاهرها الإيجابية , بل هو دافع حسن للرؤية الصالحة , ولتكوين الشخصية المسلمة النافعة

 

 

والاب له دور كبير في التكوين النفسي لابنائه , عبر مناح مختلفة , نتيجة معايشته إياه , خصوصا والأبناء في فترات حياتهم الأولى تكون نفوسهم أشبه بالأطباق الهوائية التي تلتقط كل ما يبث من حولها غير مستطيعة لانتقاء الصواب من الخطأ والحسن من القبيح , كذلك يتأثر الابناء بالآباء كونهم يرونهم قدوتهم الكبرى عبر سني حياتهم الأولى , فيتعلقون بتلك القدورة , ويصيبهم الاحباط عندما يجدون الإساءة منها أو الإهمال أو يجدونها شخصية ضدية وخصمية لهم , أو يستشعرون منها القسوة أو غيره
في المراحل الاولى , يهتم الابناء بتقليد الآباء , تقليدا سببه الإعجاب والتعلق , فيصير الابن وكأنه صورة مصغرة من والده , حتى إنه ليتقمص دوره وشخصيته أثناء اللعب ويلبس ملابسه أثناء غيابه , ويقلده في طريقة الأكل والشرب والنوم بل والضحك والسخرية , ويقلده في الإيجابيات ايضا , الصلاة والذكر وغيرها ..

 

 

هنا يحتاج الابناء من الآباء نوعا معينا من الدعم النفسي يقوم مقام المصفى " الفلتر " الذي ينقي الوارد من الخارج , بحيث يفهمه الصواب من الخطأ , ويقول له بصراحة ووضوح " نعم افعل هذا فهو صواب " و " لا لا تفعل ذلك فهو خطأ " .. , ههنا يلزم الاب ألا يكتفي بمقولة خطأ أو صواب , لكن عليه أن يبين السبب ببساطة ويربط ذلك بالفضائل وبحب الله وبتشجيعه هو نفسه

 

 

الدعم النفسي للأبناء في هذه المرحلة يجب أن يهتم أيضا ببناء الثقة بين الآباء والأبناء , فيجب ألا تتغير معاملة الآباء لأبنائهم فجأة لمجرد الخطأ , بل عليه أن يكرر التحذير مرات ومرات ثم يبدأ في العقوبة , ويجب أن تكون العقوبة متدرجة من البسيط إلى الأصعب , ويجب ألا يكون من بينها الضرب إلا بنذر يسير جدا مع عدم الغضب اثناءه

 

 

كذلك يجب ألا يتواجد الابناء في محيط مشكلات الوالدين معا , لأنه قد يسمع ما يكرهه من ابيه أو أمه , أو من أحدهما تجاه الآخر مما يمكن أن يبقى في مخيلته سنين طويلة لا يمحى

 

 

التفسير هو الآخر مبدأ هام في تلك المرحلة , بمعنى تفهيم الولد سبب غضب أبيه منه أو سبب سعادته منه , والتفسير ههنا يعتبر نوعا من الدعم النفسي إذ إنه يبني معنى المبادىء في قلوب الأبناء ويفهمهم معنى القيم والمثل العليا , وإنما تبنى القيم في هذه المرحلة بالخصوص على أفضل وجه ..

 

 

كلما كبر الابن عاما كلما كان محتاجا لزيادة دعمه النفسي , ففي المرحلة الوسطى تبدا شخصية الأبناء في التكوين والبلورة , وههنا يجب على الآباء استعمال أنواع جديدة من الدعم النفسي , فالتشجيع نوع مهم من أنواع الدعم النفسي لهم , ويجب أن يكون التشجيع متعلقا بالإنجاز , ويمكن أن يبدأ التشجيع ببحث الأب مع ابنه عن مميزاته الشخصية, فيساعده على معرفة نفسه , فيقول له : أنت متميز في اشياء كثيرة ولكني اريدك أن تركز لي على أكثر الاشياء التي تحبها وهي مقربة إلى قلبك , وعليه أن يدعمه في ذلك بأن يشتري له كتابا في مجال تميزه أو يصطحبه معه لشراء هدية في مجال تميزه , أو أن يلحقه بدورات متخصصة أو مثال ذلك

 

 

بث معنى التفاؤل وعدم الياس في نفس الابن نوع آخر من الدعم النفسي , فيجب أن يتعلم الابناء أن يجربوا ويخطئوا ويكرروا محاولاتهم حتى يصلوا إلى النجاح والأب ههنا داعم لهم مع كل خطأ , حتى يصل لنجاح تجربته فعندئذ يستغل الاب الموقف ويجزل له الثواب

 

 

في مرحلة المراهقة يحتاج الأبناء إلى تعامل خاص من آبائهم , ذلك التعامل القائم على المحبة والاحترام وشىء من الصداقة , فالأب الذي ينجح أن يقيم بينه وبين ابنه محبة واحتراما وصحبة فقد نجح في المرور بابنه من مرحلة المراهقة بسلام .
فيجب أن يكون داعما له في اختياره اصدقائه , ليس عن طريق اختيار الاسماء والأشخاص , بل عن طريق تفهيم طبائع الناس وكيفية الحكم عليهم , وكيف يختار صديقه و وكيف يتعامل مع المواقف السلبية من الأصدقاء , وكيف يكون قائدا لا مقودا بين اصدقائه , وكيف يخرج السلبي من سلوكهم ويبتعد عنه وكيف يستطيع أن يكون عنصر إصلاح بينهم , وغير ذلك

 

 

هناك جانب آخر هام في مجال الدعم النفسي للأبناء خصوصا في مرحلة المراهقة , وهو ما يتعلق بالمال وإنفاقه , فيجب ألا يشعر الابن ببخل ابيه عليه في الإنفاق , بل يشعره بحبه أثناء عطائه , وإن كان الاب فقيرا ايضا فعليه أن يفهمه أنه يبذل جهده لأجل سعادته , ولكن مع ذلك يجب أن يستمع الأبناء إلى دروس خفيفة في حسن إنفاق المال , ووضعه في مكانه , وقيمة المال في يد المرء الصالح وغيرها , إن طريقة العطاء البخيل تنتج شابا بخيلا ايضا محبا للمال , وطريقة عطاء الكريم تنتج شابا كريما محبا للعطاء والصدقة والنفع للآخرين ...