من أكبر المشكلات التربوية التي نواجهها , ما يمكن أن نسميه مجازا : اختراع الطرق التربوية !
فكل والد أو مرب يخترع لنفسه طريقة تربوية بحسب هواه وبحسب ما يرى ويستحسن , فترى هذا يستخدم منهاجا قاسيا غليظا , وآخر يعتمد الطرائق اللينة الرقيقة , وثالث يعتمد طريقة ترك الحبل على غاربه , وغيرها
بل إن البعض يستحسن أن يربي ابناءه كما رباه أبوه , فيقلدهم تقليدا , وإذا سئل عن دليلة ومستنده فيما يفعل فجوابه أن ذلك فعل الآباء " هكذا علمنا آباؤنا " !
المربون في مجتمعاتنا يحلون المشكلات التربوية حلا سريعا متعجلا , فيقومون بالدراسة والتشخيص والعلاج في لحظات , فترى بعضهم يحل مشكلة كمشكلة الإعراض عن المدرسة بفعل واحد سريع هو ضرب الابناء ضربا قاسيا مع الصراخ في وجوههم .
وآخر يرى أن حل مشكلة خوف ابنه الصغير من النوم وحده بالضغط عليه ليستجيب !
وثالث يرى أن حل مشكلة كذب ابنه عليه هي التأديب بالعصا !
ورابع يرى أن حل مشكلة ضعف الشخصية هو الغضب والقسوة معه لتتقوى شخصيته ...
وخامس قد أوكل العملية التربوية برمتها لزوجته , وصار دوره هو رؤية أبنائه بعد عودته بالمساء عابسا في وجوههم , منتقدا لكثير من أفعالهم وأفعال أمهم على السواء !
وسادس جعل كل علاقته ببناته أنه يعطيهن بعض المصروف وأموال المشتريات , وكل حواراته معهن بطريقة التحقيق الشرطي , السؤال والجواب !
وسابع قد ترك العملية التربوية التثقيفية للتلفاز والفضائيات !
وثامن يرى أن دوره التربوي هو دوره في مراقبة التزام ابنائه ببعض الأمور الدينية التي يراها دليلا على الالتزام .
وتاسع قد جعل طريقته التربوية هي إخفاء مشاعره عن أبنائه , فلا يريهم منه إلا الوجه العملي التنفيذي , وربما لا يقول طوال حياته معهم كلمة رقيقة لهم !
وعاشر يتخذ أسلوب عد الأخطاء وتتبع العثرات والزلات , والانزعاج لكل خطأ , حتى إنه ليقلب رحلة سفر في عطلة إلى نكد وغضب وهم لمجرد بعض أخطاء الصغار !
الآثار السلبية لتلك الطرائق البائسة والخاطئة لا يحصدها الشخص وحده ولا الوالد وحده بل يحصدها مجتمع بأكمله , لنرى أجيالا ضعيفة هشة وأجيالا يغزوها المرض النفسي والتربوي .
السبب الأول في تلك الظاهرة هو الجهل , نعم الجهل المطبق بما يخص التربية , جهل بمنهج التربية العام , وجهل خاص بالمنهج الإسلامي التربوي .
إن هناك أسبابا وراء حالة الجهل التي يعاني منها المربون عندنا من أهمها الاعتقاد السائد بسهولة العملية التربوية ويسرها , وبأن كل أحد قادر أن يقوم بها , واعتقاد انها عملية توارثية منقولة من الآباء والأجداد , وان كل ما على الوالد هو تقليد الجد في فعله .
كذلك ذلك الإهمال المؤسسي لتعليم المناهج التربوية للقائمين بالعملية التربوية , فلا تكاد ترى مؤسسة تقوم بهذا الدور التوجيهي التعليمي للمربين والآباء والأسر .
كذلك الظن السائد من أن الوحيد الذي يحتاج دراسة التربية وممارستها هو المدرس والمعلم في الفصل والمدرسة , وكأن الطبيب والمهندس والموظف والعامل بعيدين عن العملية التربوية ولا يمارسونها ولا يحتاجونها !
إننا بحاجة إلى إبلاء الاهتمام بإزالة الجهل التربوي عند المربين والآباء والأمهات القائمين بالعملية التربوية , وبحاجة ماسة لمحاربة الطرق الجاهلة في التربية , التي تخرج لنا السلبيات وتضخم المثالب .