معاناة أب متصلب !
21 جمادى الأول 1437
د. خالد رُوشه

العادة أن يقال " معاناة الأب الضعيف في تربية ابنائه " , لكن كلماتي ههنا حول معاناة من نوع آخر هي للاب المتصلب الشديد , الذي يختار الشدة والتصلب طريقة وأسلوبا في تربية ابنائه .

 

 

هذا النوع من الآباء , يعاني معاناة ثقيلة من جهات مختلفة :

 

 

فأول معاناته عدم استطاعته التواصل مع ابنائه , فقوته وشدته وتصلبه يخيف ابناءه من التواصل معه , ويبني أسوارا مانعة حوله , تمنع الأبناء من مجرد القرب منه للتواصل  .

 

 

كما أنه يفتقد معرفة حقيقة ابنائه , يفتقد معرفة حقيقة أفكارهم و وحقيقة مشاعرهم تجاهه , وتجاه الأسرة , وتجاه الناس , وتجاه المستقبل , وتجاه واقعهم الذي يعيشونه .

 

 

كذلك فهذه الطبيعة الشديدة المتصلبة تبث في نفوس الابناء كرها داخليا له , مهما أعطاهم ومهما أنفق عليهم , فهم سيظلون يذكرون له صراخه في وجوههم , ورفضه سماع آرائهم , وإرغامه لهم على عمل الاشياء واختيار الأمور.

 

 

غالب هذا النوع من الآباء لايبالي كثيرا بما ذكرته من الأمور التي يفتقدها , إذ إنه عادة ما يرى حياة ابنائه من منظور نفسه , لا من منظور حاجيات أبنائه ومتطلباتهم التربوية , بل عادة هذا النوع من الآباء أن يكون مشغولا عن ابنائه معظم الوقت أو في بعض الأحيان متشاغلا عنهم !

 

 

كذلك فغالب تلك المشكلات تكون مكبوتة داخل نفوس ابناء الاسرة , يُسر بها بعض الابناء لبعض في غرفهم المغلقة وفي لحظات الخلوة وقبيل النوم وعند سفر الاب ومثاله , لكنها لا تبدو – عادة – في الظاهر طوال الفترة الصغيرة من أعمار الابناء ..

 

 

المشكلة الكبرى تبدأ في الظهور مع تقدم عمر الاب وكبر عمر الأبناء شيئا فشيئا فتبدأ الآلام والسلبيات في الظهور..!

 

 

أول مايتفاجا به هذا الاب هو تطاول أبنائه عليه , فالطفل الصغير قد صار شابا الآن , وصار يرى نفسه يستطيع أن يدفع عن نفسه الإرغام والضغط , كما يستطيع أن تكون له شخصية يرد بها الصاع صاعين , فلئن صرخ أبوه في وجهه يستطيع هو الآخر أن يصرخ , ولئن صمم ابوه على خيار يستطيع هو الآخر أن يصمم على ضده .. وهو ما يمكن أن يمثل انهيارا في العلاقة الأبوية بينهما ..!

 

 

قد يتفاجأ الاب ايضا أن ابناءه يرتبون لأنفسهم أن يستقلوا عنه في بيوت منفصلة , بل لو أمكنهم لانفصلوا في بلاد منفصلة , فهم لايشعرون بحاجتهم النفسية له , ويريدون أن يثبتوا لأنفسهم ولأبيهم قدرتهم على الحياة وحدهم وبناء أنفسهم , ردا على صرخاته القديمة التي لا تزال مدوية في آذانهم تتهمهم بالفشل وعدم القدرة على النجاح وحدهم واعتمادهم عليه في كل شىء !

 

 

قد يبدو كذلك منهم سلوك مادي بحت , فيهتمون كثيرا بأنصبتهم من الأموال , ويتحدثون فيما بينهم حول أنصبتهم من الميراث , ويتكلمون عن العطايا , ويختلفون فيما بينهم حول من أخذ ومن لم يأخذ , وقد يتداولون أحاديث حول الحال عند موت ابيهم , وهو لايزال حيا يرزق !

 

 

قد لا تنطبق كل تلك الصفات على كل أسرة موصوفة بهذه الحالة , لكن الغالب أنها سيمسها كثير من تلك الصفات , وقد تجتمع كلها وتزيد عند بعض الأسر .

 

 

قد يستثنى من هؤلاء , الابناء الذين تعرضوا لفترات تربوية تحت مناهج إسلامية تربوية سليمة , تأمر ببر الوالدين ورعايتهما والعطاء لهما وحبهما وغيره , إلا أن الأثر السلبي لشخصية الأب المتصلب تبقى باقية ومؤثرة في نفوسهم أيضا إلى حد كبير .

 

 

نحن بحاجة ماسة لأن يفهم الآباء في مجتمعاتنا أن لهم دورا من العاطفة والعطاء النفسي يفوق أضعافا مضاعفة دورهم من العطاء المادي , وأن الرفق في العملية التربوية هو الاساس في تربية الأبناء , وأن الشدة طارئة ومقدرة , وتقدر بقدرها عند المواقف التي لايمكن الحل بدونها , وأن التواصل مع الأبناء اساس العلاقة التربوية السليمة , بل أساس بناء الشخصيات السليمة من الابناء الناجحين .

 

 

 

الإسلام لم يقدم لنا الرفق كخلق إنساني إيماني متميز فحسب , بل قدمه كطريقة تناول في الحياة بأكملها , وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" ماكان الرفق في شىء إلا زانه وما نزع عن شىء إلا شانه " , فهو يعمم استخدام الرفق وطرائق الترفق في جميع الشئون أيا كانت ويبدي انه زينة في كل حال , كما يبدي أن تركه واللجوء إلى غيره شينة ومنقصة وعوار , حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يحب الرفق في الأمر كله "