من أخطاء الحياة (2) ... كثرة الأصدقاء
13 جمادى الثانية 1437
د. خالد رُوشه

يحتاج كل واحد منا إلى أصدقاء صادقين أوفياء , يصحبونه في حياته , فيضربون معه المثل النموذجي الرائع في الصداقة والعطاء ..

 

 

فما أحسن الحياة بين الاصدقاء المخلصين الأنقياء , الذين لا تحتاج معهم أن تتزين أو تتجمل , أو تجامل , أو تبالغ , بل تكون معهم طبيعيا , معتادا كما أنت مع نفسك .

 

 

لكن طبيعة الحياة علمتنا أن هذا الصنف من الأصدقاء نادر عزيز , كالذهب الإبريز , لايسهل الحصول عليه , وإن كان فهم قلة قليلة  .

 

 

يحكي البسطاء ان أبا أراد تعليم ابنه الشاب ذلك الدرس فدخل عليه بين جمع كبير من اصحابه فقال لهم ماذا لو كان ولدي هذا مريضا بمرض معد ؟! فما لبث أصدقاؤه أن خرجوا من البيت واحدا تلو الآخر , ثم صحب الاب ابنه لى أحد أصدقاء الاب فقال له ماذا لو علمت أني صرت مريضا بمرض معد ؟ فقال صديقه فهيا بنا إذن إلى طبيب فورا , واطمئن فعملك أقوم به دونك وابناؤك في رعايتي حتى يشفيك الله ..!

 

 

 

ربما يكون هؤلاء الاصدقاء حدثاء الاسنان لا يحكم عليهم بالمواقف , وربا يكون الموقف بسيطا , لكن المغزى واضح والدرس بين ظاهر .

 

 

 

إن العبرة ليست بكثرتهم إنما العبرة بصدقهم , ووفائهم , وعطائهم , وخلقهم الإيماني , فصديق واحد يتصف بتلك الصفات خير من مائة من غيره ممن صداقتهم هي قضاء أوقات , وصحبة غفلة , وبحث عن مصالح ذاتية .

 

 

إن مغرمة كثرة الأصدقاء كبيرة , والقدرة على القيام بحقوقهم شاقة , ومفلتة للأوقات , ومكسبة للهموم , ومضيعة للإنجازات , يقول عمرو بن العاص رضي الله عنه : " كثرة الأصدقاء كثرة الغرماء "

 

 

كثير من شبابنا يعتقد أن كثرة علاقات الصداقة شىء إيجابي محمود , ويرى ذلك دليلا على كونه محبوبا مرغوبا في صحبته .

 

 

للأسف هذه الرغبة في التواجد بين كثير من الأصدقاء قد تدفع الشاب إلى التأثر بعادات وتقاليد سلبية , حيث يرى نفسه وسط موجة لا قدرة له على التحكم في حركتها , ولا أثر له في توجيهها , فيضطر للسير معهم , وربما يؤثر ذلك السير في فكره وقناعاته ايضا .

 

 

إن علينا أن نعلم ابناءنا ألا يجعلوا اهتمامهم التعرف على أصدقاء جدد , بقدر ما يجعلونه حسن اختيار الصديق وتوثيق المعرفة به , والتعاون معه على البر والتقوى والصلاح والصلاح , وتبادل الخير والنفع , والمساعدة والتعاضد على الإنجاز والترقي والتقدم وتحقيق الطموح .

 

 

علينا أن نعلمهم أنه ليس كل من تراه حولك هم اصدقاء حقيقيين , بل إن غالبهم هامشي , ظاهري , ليس راسخا في صداقته ولا عميقا في قيم الصداقة .

 

 

قد يتضح لك المعنى أكثر إن أنت أجبت على سؤال يقول : لماذا ينتشر هذا الشعور بين الشباب ويقل بين الكبار ؟!

 

 

هل لأن الكبار قد كشفوا الحقيقة وفهموا الدرس ؟ أم لأن الأصدقاء منهم قد انغلق على نفسه واكتفى بأهله وبنيه وخاصة حاله ؟ أم أنه لم يعد قادرا على المغامرة ؟!

 

 

يقول ابن حزم :
" ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء ، فإن ذلك فضيلة تامة متركبة ؛ لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم ، والجود ، والصبر ، والوفاء .. والعفة ... وتعليم العلم ، وبكل حالة محمودة . ولسنا نعني .. الأتباع أيام الحرمة ، فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء ، والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك. ودليل ذلك انحرافهم عند انحراف الدنيا. ولا نعني أيضاً المصادقين لبعض الأطماع ، .. والمتآلفين على النيل من أعراض الناس ، والأخذ في الفضول ، وما لا فائدة فيه ؛ فليس هؤلاء أصدقاء. ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض ، وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم ، وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل ، إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية ، وإما لنفس المحبة المجردة فقط. ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم ، وصعوبة الحال في إرضائهم ، والغرر في مشاركتهم ، وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم ، فإن غدرت بهم أو أسلمتهم ، لؤمت وذممت ، وإن وفيت ؛ أضررت بنفسك ، وربما هلكت ، وهذا لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة . وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم ؛ كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم. .. " مداواة النفوس

 

 

لاشك أن هناك فارقا بين المعارف والأصدقاء , ولاشك كذلك أن الأصدقاء درجات ومستويات , ولاشك كذلك أن هناك أعمالا تحتاج إلى صداقة الناس وصحبتهم , كحال الداعية أو المربي أو المعلم أو مثاله , لكن حتى هؤلاء لايجب أن يقربوا منهم الكثرة من الأصدقاء , بل عليهم تقسيم الناس إلى دوائر واقسام , وعليهم أن يختاروا في الدائرة القريبة منهم – كاصدقاء - أكرم الناس وأوفاهم وأخلصهم وأحكمهم واتقاهم لله سبحانه .