قلوبنا تمتلئ سعادة عندما نرى هذه النماذج من الأسر التى يجتمع فيها أبناء متحابون , متوادون , كما نزداد أسفا لشكوى آخرين و معاناتهم من انقسام أبنائهم و جفائهم لبعض .
البعض يرى أن المسئولية الكبرى لأغلب سلوكيات الأبناء الخاطئة تقع علي الأبوين منذ النشأة ثم على طبيعة النشأة وما رسخ في القلوب من مبادىء وقيم .. وأتفق مع ذلك بنسبة مؤثرة .
لا شك أن التربية الإيمانية و النشأة الصالحة للأبناء من أفضل الأعمال و أقرب القربات , و من أعظم ما اوجبه الله تعالي علينا تجاه أبناءنا و فلذات أكبادنا ,وقد أوصانا النبى صلى الله عليه وسلم برعاية الأبناء فى قوله (كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته )
إنه الغذاء النفسى الذي ينبهنا ديننا إليه أن نغذي به ابناءنا حينما نعودهم منذ الصغر على طاعة الله تعالى , والخوف منه سبحانه , ومراقبته في السر و العلن , وتعليمهم حب الاثار , وتعزيز البر فيما بينهم .
ووضح لنا منهجنا الإيماني كيفية اهتمام الأخ الأكبر بأخيه الأصغر , والعطف عليه , والرحمة له , و تفقد حاله , وعلم الصغير احترام الكبير و مبادلته البر فى المعاملة ، و زرع الحب فيما بينهم , ونبه على الآباء عدم تفضيل أحدهم على الآخر في شيء .
فشعور الأبناء بالعدل يبعدهم كل البعد عن البغض والكراهية ، جاء فى الحديث ان النبى صلي الله عليه وسلم نظر إلي رجل له ابنان , فقبل أحدهما وأجلسه على فخذه و ترك الآخر , فقال صلي الله عليه و سلم ( هلا ساويت بينهما ؟ ) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد .
وقد يتعرض الابناء لما يرونه تفرقة حقيقية بينهم سيكون لها ما بعدها فيما بعد , كتفضيل الابن الأكبر على إخوانه باعتباره الابن البكر ، و تفضيل الذكور على البنات في المعاملة , والعطاء , و الميراث كما يحدث في بعض المجتمعات ، وتدليل الابن الصغير دون الآخرين ، ومدح الابن المتفوق دائما ودعمه أمام إخوانه مع إهمال الآخرين , وعدم الانتباه على أن الذكاء قدرات ، وتقديم العطف و الحب الزائد لأحد دون الآخر , فتنشب نار الغيرة و الحقد و البغض في نفوس الآخرين , كما ورد في قصة يوسف عليه السلام و ما تعرض له من إيذاء نتيجة كره إخوانه له .
ينبغى تعويد الأبناء فيما بينهم على لغة الحوار، والتعبير عن مكنوناتهم لبعض بوضوح , فهى وسيلة لحل المشكلات بينهم , و عدم اللجوء للتشاجر والنزاع , وليكن ذلك منذ الصغر .
فلابد من تعويد المرونة في العلاقات , و تسوية الخلافات , و البحث عن أسباب الشقاق و و بواعث الحقد , و المسارعة في فض الخلاف , والمبادرة إلى الاصلاح بينهم عن طريق تبادل البسمات , وتعويد الصفح , وتقديم الهدايا , مع تقديم النصح و العتاب للمخطئ , و زرع المودة و الاخاء .
من الجميل أيضا زرع صفة التسامح و العفو بين الأبناء , و تعزيزذلك فى قلوبهم قوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) .
و تعويدهم منذ الصغر لغة الشكر ، ككلمة (جزاك الله خيرا ) لأثرها الجميل على النفس .
كذلك غرس قيمة العطاء ومعناه داخل قلوب الأبناء , وتطبيقه عمليا بتقديم العون , و الوقوف بجانب بعضهم في أوقات الشدة , و المشاركة فى الأفراح و الأحزان , إذ الله فى عون العبد ماكان العبد في عون أخيه .
وفيما يتعلق بالمؤثرات على نفسية الأبناء خارج الاسرة ، فاختيار الصديق الصالح للابن هام جدا لعلاقة طيبة بين الأبناء , فسلوك الصديق الطيب ينشر رائحته الحسنة داخل الأسرة بين الأبناء , وكذلك السلوك السوء ينضح على صاحبه ويضر كل من يقترب منه .
كذلك الحرص على المتابعة المدرسية فيما يخص التشاجر مع الأقران والآخرين ، ومدى الاتصاف بصفة المروءة في الصداقة , وتطبيق معاني الصفاء والتسامح .
إن من صفات المؤمن كونه يمتلك قلبا كبيرا وصدرا رحبا يستوعب عثرات اخوانه , فيستر عورة اخيه و وإذا رأى سيئة من أخيه يسترها ولا ينشرها ، فلابد من إحياء هذه المفاهيم داخل قلوب ابنائنا , تجاه بعضهم بعضا وتجاه الآخرين .
ولابد أن نهتم داخل الاسرة بتعزيز معنى " حب لأخيك ما تحب لنفسك " , ومعنى "وإياك والمقارنات" , ومعنى " قبول الأعذار" , ومعنى " تقدير الاختلافات " .. وغيره
على الوالدين أن يعلما أن القدوة منهما هي حجر الاساس في ذرع بذور الحب والمودة بين الأبناء .
وأكرر ههنا أن النصح العملي أيضا قد يكون أهم من النصح القولي , فعن طريق تطبيق تلك المعاني السامية في علاقة الوالدين برحمهما وإخوتهما , وكذا الصلة والتواصل بين الوالدين ورحمهم وإخوانهم ثم مصاحبة الأبناء معهم في تلك الصلات والزيارات , يمكننا تقديم قدوة عملية واضحة , فإنك إذا ذرعت , سعدت وقت الحصاد ..