
باعث الذكريات الحسنة , كلما نثر أو مررت به , يهيج عليك الايام الخاليات مما تحب أن تتذكر , تعود معه الذكريات وكأن بينها وبينه رابط يربطها كلما نثر من حولك ..
وصديق التفاؤل , إذ كأن التفاؤل قد قرن بالعطر الحسن , فما أن ينثر من حولك إلا وتحيطك مشاعر الأمل , وتستدعي نفسك معاني التفاؤل , ويزورك الطموح نحو ما ترجو وتحب ..
ونديم الرجاءات , فكل رجاء ينبعث مع العطر , والأحلام الطيبة تجد حالها معه , والنفوس الطيبة تسكن إليه , وتستريح معه , وتتهيأ بأحسن أثوابها له ..
وكأن لكل عطر لغته , وحروفه , وأثره الخاص به , فهذا يدعوك إلى النشاط , وذاك يدعوك إلى المودة , وثالث يدعوك إلى الأمل , ورابع يدعوك إلى التفاؤل .. وهكذا
وللناس في عطورهم مدارس ومناهج وأمزجة , بحسب ثقافتهم , وعلمهم وطبيعة نفوسهم , فمنهم من يحب العطر الهادىء , ومنهم من يفضل العطر الهائج مثل موج البحر ..
إنه من أجمل الأشياء في تلك الحياة ..
حبب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم , كما في الحديث " حبب إلى من دنياكم الطيب .." اخرجه أحمد والنسائي
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا أتي بطيب لم يرده" رواه النسائي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «من عرض عليه طيب، وفي رواية، ريحان، فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل» رواه مسلم.
وكان أحب الطيب إليه الألوة والعود والمسك والعنبر , وهي من أفضل العطور في زمانه صلى الله عليه وسلم , بل لها ايضا تميز من حيث الاختيار , فهي عطور ذكورية , ليست نسائية , كما في حديث عائشة رضي الله عنها ..
قالت عائشة رضي الله عنها عائشة رضي الله عنها :" كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب: المسك والعنبر" أخرجه النسائي
وعن نافع قال: كان ابن عمر يستجمر بالألوّة غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة ويقول: « هكذا كان يستجمر رسول الله صل الله عليه وسلم » رواه مسلم.
وشبه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق الطيب صاحب الخير بحامل المسك , الذي يحذيك أو تبتاع منه العطر الحسن , فهو يعلمك الخير أو يصيبك من أخلاقه وعلمه وفضله ونفعه ..
وعرّفنا أن الشهيد يأتي يوم القيامة يتدفق الدم من جرحه , اللون لون الدم والريح ريح المسك , وأن أرواح المؤمنين لما تصعد في السماء تصعد بأطيب ريح من ريح الجنة , وأن الملائكة تجتمع للريح الحسن , وأن الشيطان ينفر من الريح الطيب ..
والعطر الحسن ينفر من صاحب الخلق السىء الردىء , فكأنه لا يتلاءم معه , ومهما تعطر العاصي فإن العطر يبغضه , ورائحة الذنوب تعمه وتغرقه ..
فلا قيمة لعطر بدون سلوك , ولا اثر لريح حسن بغير قلب طيب حسن , ومن الناس فقراء لايستطيعون شراء عطر طيب , لكن قلوبهم وأخلاقهم ونفوسهم تنثر عطرا طيبا في كل مكان , فهم يحفظون طهارة أبدانهم مع طهارة قلوبهم , وهو خير العطور ..
يقول ابن القيم : " الطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى، والقوى تتضاعف وتزيد بالطيب كما تزيد بالغذاء والشراب والدعة والسرور ومعاشرة الأحبة، وحدوث الأمور المحبوبة "
لذلك فقد عذروا من أنفق كثيرا من ماله على العطر , وعذروا من أدمن حب الريح الطيب , وعذروا من أحب أناسا من حسن عطرهم وحسن خلقهم ..
ومن الناس من ينثرون العطر البديع أينما كانوا ..فكلماتهم عطر , ودقات قلوبهم عطر وأفكارهم عطر ..
وأحسن الناس من جمع إلى العطر الحسن , خلقا حسنا , وعلما حسنا , وعطاء بنفس طيبة , فهؤلاء هم نبلاء الحياة , وزينة الناس ..
واقرب الناس تشبيها بالعطر هم العلماء الربانيون الصالحون , والدعاة الأخيار الطيبون , فهم كالعطر أينما حلوا , ينثرون بنافع علمهم على العقول والقلوب الخير والهدى والنور , ويتركون آثار عطرهم على كل بقعة حلوا بها وكل قلب التقوه وجالسوه , فماأحلى اثرهم على الناس وما أبقى عطرهم في النفوس ..