2 ربيع الأول 1438

السؤال

السلام عليكم. ابني الأكبر هو الآن في الثانوية العامة حاولت من صغره تربيته على الدين والالتزام وأنا وأمه ملتزمان بسنة النبي ونصلي ونحفظ القرآن وليس في بيتنا غناء ولا موسيقى ولا تلفاز ولا أفلام.
وقد أدخلته مدرسة أزهرية ليتعلم الدين والقرآن ولا يكون فيها اختلاط وكنت أصحبه للمسجد وأعامله وأنصحه برفق.
ولكنه غير حريص الآن على الصلاة وإن لم ننبهه عند كل صلاة ونلح عليه لا يصلي، وبالرغم أننا حفظناه القرآن فهو غير مجتهد في القراءة والمراجعة، وحتى دروسه وهو في سنة مهمة، معظم الأحيان ندخل عليه أنا وأمه نجده منشغلاً بالجوال، ودخلت عليه مرة وهو منشغل بالجوال والسماعات في أذنه فأخذت السماعات وقلت أرني ماذا تسمع وأنت تذاكر فوجدته يستمع إلى أغاني لمغنين ومغنيات، فأخذت الجوال وأخذت أنصحه وأبين له حرمة الغناء وأقوال العلماء فيه وأخذ يجادلني فأخذت منه الجوال.
والله أعلم ماذا يشاهد ويسمع في الجوال وعلى النت، وأنا حزين ولا أدري كيف أتصرف معه من أجل دينه أولا ومن أجل مستقبله الدراسي والعلمي. أفيدوني جزاكم الله خيرا

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

السائل الكريم
البناء التربوي للأبناء هو منتج من عدة عوامل مختلفة يجتمع أثرها عليه فيبلور شخصية الأبناء وميولهم وتصرفاتهم.
فالأمر لا يقتصر على والد صالح وأم صالحة، فذلك حسن طيب والحمد لله وهو مطلب أساس، لكن هناك جوانب أخرى في بناء الأبناء يجب علينا رعايتها ومراعاتها في التربية.
فأبناؤنا لهم عقولهم وقلوبهم وذواتهم، وهم يحتاجون من يصل إليها بأساليب ذكية وملائمة ومقبولة بطرق حثيثة.
فالإقناع بالفكرة وسيلة أساسية لاستجابة الابن، وتشرب قلبه بها شرط أول لقراره بتنفيذها، وشعوره بلذة العبادة هو من اكبر المؤثرات في استمراره عليها..
فكم من صالح تقي قد أخطأ في تربية أبنائه وقصر تجاههم واقتصر على الوعظ والصراخ في وجوههم واتهامهم بالتقصير، فخرجوا قاصرين عن حلمه وأمله ومراده..!
لكني أتصور أن الآباء ماداموا يبحثون ويسألون ويتعلمون ويعدلون من سلوكياتهم، وماداموا قد أطعموا أبناءهم حلالا وماداموا يدعون الله لأبنائهم ليصلحهم، أنهم سينجحون في سعيهم لإصلاح أبنائهم، حتى لو طال الطريق قليلا..
واسمح لي أن أعتب عليك طريقتك مع ابنك فيما يخص ما ذكرته من موقف، فهل تظن أن هكذا طريقة هي طريقة إيجابية لتعديل السلوك؟!
الأسلوب المناسب في هكذا موقف أن تهدأ أولا وتترك الغضب، كي تتصرف بحكمة، ثم تظهر له مخالفتك له فيما فعل، ثم تفتح معه حديثاً لبيان الحكم الشرعي وإقناعه به بالأدلة النقلية والعقلية، وتصبر في ذلك، وتأخذ منه عهدا بعدم استخدام جواله فيما يخالف عهدكم، ولو كررها مرة ثانية أيضاً كرر أنت ذلك مع البحث عن عقوبة تربوية رفيقة به متدرجة.. كل هذا مع رعاية احترامه وتقديره وعدم إيذائه لفظيا أو معنويا..
أما غضبك وسحبك للجوال فلن يغني لو كان المفهوم في قلبه وتعلقه بالأغاني لايزال، فقد تسحب منه الجوال ثم يستمع إليها في أي مكان آخر.. كل هذا وأنا لا أرى المشكلة في موضوع الأغاني ولا غيره - مع إقرارنا بحظرها شرعا -، لكن المشكلة في تكوين الشخصية وتنقية القلب تجاه الأوامر والنواهي وتعظيم حرمات الشرع وكيفية الوصول إلى ذلك..
وهاهي بعض النقاط المهمة فيما يتعلق بشكواك من ولدك:
1- يجب أن ندرك أن هناك مؤثرات مختلفة على أبنائنا، فالأمر لا يقتصر على تأثير البيت والأسرة فهناك الأصدقاء وهناك الإعلام وهناك وسائل الاتصال وغيرها.. فلنوسع نظرتنا للموقف.
2- المشكلة لو أن البيت نفسه لم يدرك حقيقة الأزمة وخلفياتها ويتعامل مع الأبناء تعاملاً بالطلب والأمر والرجاء وفقط، ناسياً أن هناك طرقاً مختلفة للتأثير في شخصية وبناء الأبناء، عندئذ سيكون البيت ثقلاً وحملاً نفسياً جديداً على الوالد وليس دافعاً إيجابياً.
3- طول النَفَس شيء مهم، وقد أمر الله سبحانه أنبياءه فيما يخص الصلاة وأمرهم بها لأهليهم والأقربين منهم، أن يصبروا على دعوتهم إليها وأمرهم بها، قال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، وأن يصبروا على أدائها ليستمروا عليها وهكذا.
4- كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في تعامله مع الشباب، كان رفيقاً مقنعاً يخاطب القلب والعقل معاً، وانظر إلى حديثه للشاب الذي جاءه يريد الترخيص في الزنا وكيف أنه مس قلبه وعقله معاً برفق وإقناع حتى غير رؤيته وقناعته... فالرفق الرفق والهدوء والإقناع والمناقشة مع الصبر.
5- لن تستطيع وحدك أن تٌقوِّم سلوك ولدك، بل لابد من معين ومساعد في كل منحى من مناحي المجتمع الذي يتعايش فيه، في مدرسته، في المسجد، من أصدقائه، من الأسرة القريبة، من الجيران... وهكذا.
6- يجب أن ندرك أن النصيحة المباشرة هي أقل وسائل التربية تأثيراً في الشباب وأنه لابد أن يصحبها القدوة والتربية بالمواقف..
7- لابد أن تسعى لمصاحبة ولدك ومصادقته، واجعل لكما وقتاً للحديث القلبي المفتوح، وتنازل عن دور المراقب الغليظ وأبدله بدور الوالد الشفيق الصديق..
8- تابع المتخصصين وكتاباتهم التربوية واقرأ فيما يخص تربية الأبناء..
9- لا تفتر عن الدعاء لولدك بالهداية والرشاد.
10 – تابع معنا في كل خطواتك واستمر في التواصل.
وفقك الله وسددك في إصلاح ولدك..