السؤال
إحدى صديقاتي لديها مشاكل كثيرة مع والدها لأنه بخيل عليهم، ودائما غاضب، وخلقه سيئ مع كل الناس، ويرفع صوته على أخوالها والجيران والخدم، ويحتقرها ويسيء إليها دائما، أيضا أنا أشاركها نفس المشكلة، فوالدي إنسان سيئ جدا، وأساء لي كثيرا في طفولتي بأمور غير محتملة، أمي انفصلت عنه والآن علاقتي به مقطوعة، فهل أكون آثمة لقطع علاقتي به؟
مع العلم أنى تواصلت معه مرة وانتهى الأمر بمشكلة كبيرة جدا وصلت للشرطة ثم المحاكم، أيضا كيف أصلح بين صديقتي ووالدها لأني أشعر بالذنب عندما أسب والدها معها وأعينها على عقوقه.
الجواب
قرأت رسالتك بحزن بالغ، على ما وصلت إليه تلك العلاقة العظيمة بين الأب وابنته، من تدهور، وعلى ما بلغت بك الأفكار نحو عقوق والدك الذي أمرك الله ببره والإحسان إليه، وعلى هذه الأوصاف السيئة للوالد بما لا يرضاه شرع ولا عرف!
وقد تعجبت كذلك من وجود نفس المشكلة عند الصديقتين، فالشكوى واحدة، والأفكار واحدة، وأخشى ألا تكون المشكلة عند الآباء بل داخل قلوب الأبناء، فما معنى أن تسب كل صديقة والد صديقتها أمام عينها.. هل هذه أخلاق المؤمنات المهذبات؟!
في البداية لا أستطيع في مثل هذه المشكلات أن أغض طرفي عن كون معظم المشكلات من هذا النوع يشارك فيه الطرفان، فالأب يقسو ويهمل والبنت أو الابن يسيء ويغضب ويطور الأمور ويغفل عن واجباته ويطالب فقط بحقوقه، لكنني بأي حال لا أزال أطالب الأبناء بالصبر والبر وحسن الصحبة وهو واجب عليهم لا اختيار فيه مهما حصل من الآباء، ثم أعد الأبناء عاقبة الخير كما وعدهم ديننا الحنيف.
وعندما تصطدم الابنة بالأب لدرجة أن يصل الأمر لدخول الشرطة ثم المحكمة – كما في رسالتك - فهل الخطأ إذن على الأب أم على الابنة، قد يكون الاثنان مشتركين في القضية، لكنني أوجه اللوم والعتاب على الابنة، لأنه مهما فعل الأب مع ابنته ليقوّمها ويؤدبها ويعلمها لا ينبغي للابنة أن تترك الأمور أن تصل لهذا الحد، ألا تتذكرن قول الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فالأبوان مهما كانت عيوبهما فحقهم علينا حسن الصحبة وإحسان المعاملة.
فمهما كانت عصبية الأبوين ومهما كان سلوكهما، فإننا مختبرون بالصبر عليهم {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.. فعلى الابنة الذكية أن تغتنم أبويها فهما بابها للفوز والنعيم، فقد خاب وخسر من أدرك أبويه أو كليهما ولم يدخل الجنة وهذه نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم..
أخشى أن تكون قد تكونت لديك خلفية سلبية عن أبيك عبر الأيام من جراء خلافاته مع والدتك وفراقهما، وربما سعت والدتك لشحنك سلبيا ضده، فكل منهما يرى نفسه مظلوما مجنيا عليه، مع بعدك عن الموجه والمربي الصالح، فساءت نفسك تجاهه.
أيتها الابنة هلا عقدت قلبك على قيمة الوالدين، ومقام الأبوة، ومعنى البر، ومعنى الصبر، ومعنى إحسان العشرة معهما، فكان لك من قلبك دافعا نحو البر والصبر!
هل ذهبت في يوم إلي والدك معتذرة، - حتى لو كنت ترين نفسك محقة - وقبلت يده واحتسبت ذلك لله وفي الله؟
هل يوما اشتريت له هدية ترققين بها قلبه، وتذيبين بها غضبه؟
هل صنعت له بيدك طعاما يحبه وقدمته له محبة وتوددا؟
أين ذكاء الفتيات المؤمنات؟ وأين فن التعامل مع الوالدين؟!
أم أن هذا الذكاء هو فقط في المشكلات والصراعات وعلى صفحات مواقع التواصل؟!
لاشك أنه مهما كانت المشكلات بين الطرفين فالمسارعة إلى الصلح هي البداية الصحيحة.
ولابد من سعة الصدر ونسيان ما مضى من إساءة، وعليكما أن تعلما أيتها الصديقتان أن أي شدة من الأب تجاهكما فما أصلها إلا خوف عليكما، لكنه ربما ليس عنده القدرة على توصيل هذا المعنى إلا بهذه الصورة من القسوة، وبالطبع ليس معنى ذلك تأييده فيما فعل لكن عسى الله أن يغير حاله.
فالعلاج في الرفق واللين والتواضع له وعدم رفع الصوت في وجهه، والسمع والطاعة مع بعض الصبر والحنان الذي سوف تقدماه إليه، واللطف والمعاملة الحسنة كاف لتغير القلب وجعله يلين.
أما موضوع البخل الذي تصفونه به فلابد أن تعلما أن رب الأسرة مسئول عن أسرته وعن طلباتها واحتياجاتها فإن كان ممسكا فربما بسبب كونه يخشى الأزمة من كثرة الإنفاق فلا يستطيع بعد ذلك تلبية الاحتياجات الضرورية.
نعم أن خير الأمور الوسط والاعتدال فيما يخص الإنفاق، وبالطبع فان المؤمن لا يبخل، وإنما البخل شيمة سلبية بائسة، لكننا لا نحكم عليه بهذه الصورة إلا بعد معرفة ظروفه، واعلمي أن القلب هو الذي ينفق وليست اليد فربما لو وصلت إلى قلبه وصل هو إليك بالإنفاق بيده.
هناك أيضا من الأفعال ما قد يساعدك على تخطي هذه المشكلة، وأقصد به دور الأقربين والمعارف المؤثرين في والدك، يمكنك الاستعانة بهم على تقريب وجهة النظر، مع الحرص على عدم الإساءة إليه، بل الإحسان والبر وتوصيل الكلام الحسن..
الابنة السائلة
عليك أنت وصديقتك العودة إلى الله بالاستغفار الكثير والتوبة من العقوق، والتوبة من غير ذلك من الآثام، فهي مفتاح الفرج، وبداية لإنهاء قطع الوالد مع الدعاء الشديد بالإصلاح بينكم، فاليوم الوالد معكم وغدا ربما يكون بجوار ربه، واحذرا فربما يصل بكما مع أبنائكما ما قد تفعلانه مع أبيكما، فكما تدين تدان..