الاهتمام بالضعفاء والنصر المأمول
18 ربيع الأول 1438
د. عامر الهوشان

لا شك أن إعداد المسلمين للقوة المادية من عتاد وسلاح وذخيرة وغيرها واجب نص عليه القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لمواجهة الأعداء و رد كيد المعتدين , قال تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ....} الأنفال/60 , وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم المقصود بالقوة في الآية في أكثر من حديث , فذكر صلى الله عليه وسلم الرمي والحصون والخيل وغيرها من أدوات الحرب .

 

 

 

وجاء في تفسير ابن أبي حاتم عن مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ قَالَ :"الْقُوَّةُ : السِّلاحُ ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ قُوَّةِ الْجِهَادِ". وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّهُ قَالَ :"الْقُوَّةُ: الْعِدَّةُ ، إِعْدَادُ مَا اسْتَطَعْتَ لَهُمْ مِنْ عِدَّةٍ" .

ولا شك أن المسلمين مقصرين في الوقت الراهن بهذا الأمر الإلهي , فالهوة بينهم وبين عدوهم بالنسبة للعتاد والسلاح اللازم للدفاع عن العقيدة والدين والهوية والوجود شاسعة وهائلة , ويكفي أن المسلمين لا زالوا يستجدون سلاحهم من عدوهم , ولم يستطيعوا حتى الآن تصنيع سلاحهم أو الاكتفاء الذاتي بهذا الجانب .

 

 

 

ورغم عدم منطقية الأسباب التي تسوقها بعض الدول الإسلامية اليوم لتبرير هذا التقصير الفادح في إعداد العدة , إلا أن المسلم قد لا يجد ذلك جديدا عليه أو غريبا في ظل الضعف الذي تعاني منه الأمة منذ عقود , ويقينه بأن مسألة اكتفاء الدول الإسلامية الذاتي عسكريا , وامتلاك سلاحهم الرادع النوعي فضلا عن امتلاك تصنيعه وإنتاجه محليا من الصعوبة بمكان .

 

 

 

إلا أن ما يستغربه المسلم ويتعجب منه أيما عجب هو التقصير في الشق الثاني من معادلة تحقيق النصر في دين الله الإسلام , والذي يتمثل في الالتزام ببعض الأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية التي تساهم في تحقيق النصر الذي يعتقد المسلمون بأنه من عند الله وحده , قال تعالى : { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران/126

ومن ضمن الأسباب المعنوية التي لا يمكن لمسلم عاقل أن ينكر دورها في تحقيق النصر المأمول للمسلمين : الاهتمام بالضعفاء , ففي الحديث عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ) مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح

 

 

جاء في شرح الحديث في نيل الأوطار : ( أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ ) أَيْ اُطْلُبُوا لِي ضُعَفَاءَكُمْ , وَأَبْغَاهُ الشَّيْءَ : أَعَانَهُ عَلَى طَلَبِهِ . 11/393

ومعنى الحديث يشير بوضوح إلى أن العناية بضعفاء الأمة والاهتمام بهم سبب من أسباب نزول نصر الله تعالى على عباده المؤمنين , وتشمل العناية والاهتمام : تقديم الطعام لهم إن كانوا جياع , وتأمين المأوى لهم إن كانوا مشردين في الشتات , وتعليمهم إن كانوا قد فقدوا أدوات العلم و وسائله , وبذل الجهود اللازمة لنصرتهم بكل السبل والوسائل الممكنة .

 

 

 

إن الاهتمام بضعفاء الأمة كسبب من أسباب النصر المأمول قد بات اليوم في متناول يد المسلمين جميعا حكومات وشعوبا , فالمستضعفون من المسلمين في حلب المحاصرة يعدون بعشرات الآلاف , وهناك أضعافهم في الموصل وأراكان وغيرها من بلاد المسلمين التي تكالب عليها أعداء الأمة , وهم بأمس الحاجة إلى كل أنواع الاهتمام المادي والمعنوي .

 

 

 

وإذا كان واجب الحكومات الإسلامية والمؤسسات والهيئات الإغاثية و أغنياء المسلمين يتركز في إنفاق المال لتأمين الحاجات الأساسية لهؤلاء المستضعفين , فإن واجب باقي أبناء الأمة الدعاء لهم والالتجاء إلى الله تعالى لحفظهم و رعايتهم والانتصار لهم وللأمة جمعاء على عدوهم المتربص بهوية الأمة و وجودها .

 

 

 

إن المشاهد المؤلمة لحال ضعفاء المسلمين في بلاد الشام وغيرها من بقاع الأرض , وخصوصا بعد تهجير مئات الآلاف من المسلمين من ديارهم من ريف دمشق و حلب والموصل ..... والتي يراها ملايين المسلمين على وسائل الإعلام المعاصرة , لا ينبغي أن يقتصر التفاعل معها من قبل عموم المسلمين بمجرد التألم والحزن و التعبير عن الغضب من خلال التعليق على وسائل التواصل الاجتماعي , والتي يغلب على كثير منها مشاعر الإحباط وبث روح التشاؤم واليأس بقصد أو بغير قصد ..... بل ينبغي تذكير الجميع بوجود تعليمات وتوجيهات إسلامية للتعامل مع أمثال هذه المحن والملمات .

 

 

 

ولعل أهم ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المقام هو : أن لضعفاء المسلمين بجميع أصنافهم - سواء منهم المكتوين بنار الحروب في الشام وغيرها أو عموم المسلمين الذين لا يجدون ما ينصرونهم به ماديا – دور واضح في تحقيق النصر في دين الله الإسلام , وكيف لا وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم دعاءهم سببا من أسباب استحقاق نصر الله الذي وعد به عباده المؤمنين , ففي الحديث الصحيح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ) صحيح البخاري برقم/2896

 

 

وفي رواية في مسند الإمام أحمد عن سعد بلفظ قال : قلت يا رسول الله : الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ( ثكلتك أمك ابن أم سعد وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ) .

 

 

ولعل في الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي في سننه وصححه الإمام الألباني ( إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ ) ما يفسر السبب الكامن وراء اعتبار الضعفاء سببا في تحقق النصر , فهم أَشَدُّ إخْلَاصًا فِي الدُّعَاءِ وَأَكْثَرُ خُشُوعًا فِي الْعِبَادَةِ لِخَلَاءِ قُلُوبِهِمْ عَنْ التَّعَلُّقِ بِزُخْرُفِ الدُّنْيَا كما قال ابن بطال في تأويل الحديث .

 

 

 

إذن لا ينبغي التقليل من أهمية الاهتمام بضعفاء المسلمين والعناية بهم وتقديم كل يحتاجونه من دواء وغذاء وكساء ومأوى في استنزال نصر الله تعالى  , كما لا ينبغي التهاون بدور دعاء ضعفاء الأمة ومستضعفيها في تحقيق تقدم على أرض ميدان المعارك والحروب , فمن المعروف في تاريخ غزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وفتوحات السلف الصالح من هذه الأمة أن الدعاء كان على الدوام سلاح المؤمنين لتحقيق النصر على أعدائهم قبل أي معركة وأثناءها وبعدها .