السلبي والإيجابي في تربية الأبناء على الطاعة
27 ربيع الأول 1438
د. خالد رُوشه

كثير منا يفرح ويستبشر إذا وجد من ولده طاعة تامة ، وخضوعا كاملا ، فهو لايرد لأبيه ولا لأمه قولا ، ولا يناقشهم في مطلب ، ولا يجادلهم في وجهة نظر ، بل سائر على الطاعة  كما ارادوا ..!

 

المعلمون في المدرسة ، يكيلون المديح للطالب الساكت المطيع ، ويرون تميزه , ويقربونه ويغدقون عليه الدرجات .. لأنه مؤدب مهذب !

 

المربون في حلقة العلم يشكرون كثيرا في الولد ، كونه يستمع الدرس ولا ينبت ببنت شفه ، فلا يسأل ولا يناقش ، ولا يعلق ، بل يحفظ ويقرأ ويظل ساكنا طوال فترة الحلقة والدرس !

 

على جانب آخر ، فإن زميلا له ، يتلقى يوميا النقد والصرخات بل والضرب من أبيه ومعلمه بسبب كونه مجادل مناقش ، سؤول متحدث ، له رؤيته الخاصة ، وتعبيراته التي قد تكون مخالفة لوجهة نظر المعلم أو لما سمح به الاب !

 

الحقيقة أن هذا الوصف بهكذا حال ليس دائما يوصلنا لشخصية تربوية ناجحة متميزة في المستقبل ..!

 

إننا نمارس نوعا من كتم شخصية ابنائنا تدريجيا ، ونوعا من سحق تميزهم ، وتكبيل قدراتهم عن طرق فرض الطاعة عليهم فرضا ، وإجبارهم على قبول اختياراتنا , ورؤيتنا , ووجهة نظرنا للاشياء .

 

قد يصل الحال إلى الأمور الشخصية للابناء ، فنجبرهم على ملابس معينة وطعام معين ، وهكذا  .. في حين أن الصواب متسع والخير متسع والمقبول والصالح يمكن تعدد رؤاه بغير مستنكر شرعي ولا عرفي ولا أخلاقي ..

 

إن نفسية الأبناء أشبه بالفرس الجامح ، لو ترك تماما فسيصير وحشيا لا ينتفع به ، لكنه كذلك لو قهر وسحق لم يصلح للنزال ولا للسباق , فقط يصلح في جر العربات !  .. فيجب ترويضه ترويضا يبقى شخصيته وسماته وتميزه وتفرده واعتزازه بقيمه ومبادئه

 

يجب ان نبني في ابنائنا الشخصية المستقلة والقدرة على اتخاذ القرار في المواقف ونتركهم ينمون تلك القدرة بل ونعينهم على تحمل المسئولية والقرار عبر مواقف متدرجة .

 

إن الطاعة للآباء والمربين شىء حسن جيد بالعموم ، ويدل على نفسية لينة مهذبة خلوقة  ، لكن المبالغة فيها نذير سلبي ، وسعينا للضغط على الأبناء ليصيروا كعجينة في ايدينا خطا تربوي وسبب في مستقبل ملىء بالمشكلات .

 

كذلك فهناك خطورة كبيرة على ابنائنا إذا ربيناهم على الطاعة العمياء ، فيسهل التأثير عليهم بالأفكار السلبية جميعها , فأسلوب سحق الشخصية يستخدمه المنصرون وغيرهم في تربية الصغار في دورهم سواء أكانوا لاجئين أو أيتاما او محتاجين فلا يبقون لديهم اختيار او رؤية او قوة ارادة

 

 

إن علينا كمربين أن نشجع ابناءنا على بناء شخصيتهم الذاتية لا أن نسحقها .

 

فكثير من المربين يسحق شخصية المتربي رجاء أن يبني في داخله الشخصية التي يريدها منه , وفي غالب الأحيان فإنه يفشل في تكوين شخصية أخرى , لأنه يكون قد تسبب في مرض مزمن للمتربي هو مرض فقدان الثقة !

 

قمع شخصية الأبناء وسحقها لايكون فقط عن طريق الضرب والتهديد بالأذى , لكنه يكون بطرق أخرى كثيرة قد نغفل عنها مثل إرغام الأبناء على عدم الاختيار , وتوكيل غيرهم ليختار لهم كل شىء , وتسفيه رأيهم , وعدم إشراكهم في المناقشات , وعدم تقديرهم عند الإنجاز مع كثرة النقد واللوم وغير ذلك .

 

 
كذلك فهناك قاتل بطىء يستخدمه بعض المربين ليقتل كل كفاءة ونبوغ في متربيه سواء أتعمد ذلك أو لم يتعمده , ذلك القاتل للشخصية هو الإهمال , الإهمال الذي يتسبب في أمراض لا تحصى للأبناء منذ صغرهم قد تبدأ بالصراخ والعصبية عند كل موقف , وبالتبول اللاإرادي ومثاله , وتنتهي بسلوك الإجرام والانحراف !

 

إن واجبنا هو بيان الطريق الصائب وتعليم الأبناء كيفية السير فيه مع تبيين الصواب والخطأ لهم , وبناء القيم الإيمانية والتطبيقية العليا , وتكوين نموذج القدوة , ثم علينا أن نترك لشخصياتهم حرية التصرف لتطبيق ما تعلموه في إطار الصواب تحت ظل متابعة منا وتقويم ذكي وبناء , ونترك لهم حرية تكوين شخصياتهم الايجابية وتميزها بميزات مختلفة , لا أن نرغمهم على طرائق السلوك وأنواع الاختيار وأساليب التصرف ودقائق الحياة , فكل منهم له ميزاته وله قدراته الخاصة به , وله ميوله النفسي في إطار الصواب ايضا وله اسلوب تفكيره تجاه الأشياء والمواقف والحياة من حوله ..

[email protected]