الشباب .. و الرداء المصطنع !
25 ربيع الثاني 1438
أميمة الجابر

نعم إن الله جميل يحب الجمال , وللأسف فقد أصبحت نظرة الناس للمهمل لمظهره هي نظرة انتقاص !

 

ونعم أيضا فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الاهتمام بطهارة المظهر وحسنه , وحث على الظهور بأحسن صورة , وعرفنا أيضا أن صورة المسلم لابد أن تكون حسنة مهما كانت فقيرة ..

 

 فكان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب خصوصا إذا كان في اسقبال أضياف أو وفود ، فعن أنس بن مالك قال: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ"؛ رواه البخاري ومسلم ،  قال الداودي: " وسُميت حبرة؛ لأنها محبرة؛ أي: مُزيَّنة، فالتحبير التزيين والتحسين، وكانت الحبرة أشرف الثياب عندهم " .

 

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس " أخرجه أحمد وابو داود وحسنه الحافظ ابن حجر

 

فالمظهر له دوره الهام في التعامل مع الناس , لكن في عصرنا الحالي قد استخدم بعض الشباب الاهتمام بالمظهر كنوع من التباهى والتعالى و التفاخر أمام الآخرين من الأصدقاء أو الأقارب , بل والجيران وغيرهم ..

 

فيرتدون أغلى الملابس ، ويشترون أحدث الهواتف ، وينفقون أكثر المصروفات دون أن يراعى أحدهم زميله أو صديقه الذى يصحبه , و نسى أن يسأل نفسه هل صديقه يملك من المال أن يشترى مثله أم لا ؟ وهل هو يفعل ذلك كعادة حسنة أم برغبة العلو والتكبر؟!

 

هؤلاء الشباب يقومون بالضغط على أهليهم ليشتروا لهم ما يريدون , بل يحملونهم أكثر من طاقتهم في الإنفاق عليهم ، إلحاحا تارة ، وشكوى تارة ، وصراخا وبكاء تارة أخرى .. هذا برغم علمهم بظروف أسرهم التي ربما تكون غير مستطيعة ولا قادرة .

 

هذا يريد تقليد حفلة زواج صديقه التى أبهرت المدعوين من كثرة المغالاة و البذخ , فيرجع إلى والده صارخا " أنا لست أقل منهم " ! ، رغم أنه يدرك جيدا أن والديه ربما اقترضوا هذا المال لتلبية رغبته , لكن الغشاوة التي على عينيه زينت له طلبه دون مراعاة للضيق المالي لوالديه .

 

وهذا يطلب من والديه تجديد سيارته للأعلى لأنه قد وجد آخر قد فعل ذلك , وغيره يريد تغيير البيت ، والاثاث ... الخ  .

 

تلك المطالب قد تكون مقبولة إذا كانت بأدب وذوق ، وكانت الحالة المادية في الإنفاق للأسرة والأبوين تسمح بها ، أما إذا لم يكن لديه أو لدى الوالدين القدرة على هذا الإنفاق فلماذا الضغط عليهم بما لا يطيقون ؟ !

 

إن المشكلة التي داخل نفوس هؤلاء هي آفة الظهور برداء متصنع كمثل بعض الكائنات التي تغير لون جلدها بلون البيئة التي تعيش فيها تماهيا معها وتشبها بها ..!

 

على جانب آخر فإن لهذه الشكوى وجه آخر ، فبعض الآباء قد يكون في ضائقة مالية ويفضل عدم اخطار أبنائه بها  ، متحملا كل الضغوط النفسية وحده , مما يؤثر على حال الأسرة بأكملها وحاله الشخصي ..

 

فلماذا يترك المعسر ماديا ابنه دون اشعاره بالمسؤولية في ذلك الوقت ؟! ومتى إذن يتحمل الأبناء المسؤولية إذا لم يتحملوها مع والدهم فى ذلك الحين ؟!
إنه خطأ تربوي تراكمي منذ الصغر ، مسماه هو التفريط في الإنفاق ، على حساب الحاجيات الأساسية ، وعلى حساب توقع نوائب الدهر ، وعلى حساب معاناة الأسرة بأكملها .

 

إنه كذلك تقليد أعمى للأصدقاء غير المتكافئين في القدرات ، غير المتحملين للمسئولية الاجتماعية .

 

نحن لا نعيب على الصغار فقط ,  بل قد يكون الكبار مصابون بهذه الآفة أيضا !

 

 فكثير من الكبار قلوبهم ضعيفة أمام فتن الدنيا وإغراءاتها , وحب التظاهر والاصطناع والظهور بصورة مزخرفة متجملة غير صورتهم الحقيقية , التى قد تحملهم الكثير من الديون والأعباء , فبالتالي الشباب الصغار أولى أن تكون نفوسهم أضعف .

 

 لكن المداومة في النصح والمراقبة وترويض النفس على الوسطية في كل شيء طريق هام , فلا إفراط ولا تقطير ، بل التوازن في كل شىء حسن  .

 

 بل وربما التصبر والتزهد في بعض الأحيان يكون درسا مفيدا من دروس الحياة ، فإنه يخلق من الشباب رجالا أقوياء أمام الشدائد والصعاب ويولد قلوب حامدة شاكرة راضية .