العدوانية عند الأطفال
20 جمادى الأول 1438
د. خالد رُوشه

العدوانية صفة ليست أصيلة في تكوين الأبناء ، بل مكتسبة ومتأثرة بالبيئة التربوية والمواقف الحياتية ، والقيم المرسخة في ذهن الطفل .

 

 

لكنها للأسف صفة تسيطر على طريقة تفكير الطفل وطريقة معاملته للآخرين ، وطريقة حصوله على مكسباته ، بل تسيطر على رؤيته للحياة والناس من حوله .

 

 

والحقيقة أنه ليست هناك تفسيرات علمية مؤكدة لظاهرة العدوانية عند بعض الأطفال ، بل هي - كما كل التغييرات النفسية - تبقى مخصوصة بكل شخصية على حدة ، وبمدى قبول تلك الشخصية للمواقف ، ومدى تأثر نفسية الطفل للأحداث ، وطريقة تفسيره لها وتعامله معها ، ودفاعه النفسي ضدها ، خصوصا إذا كانت أحداث سلبية متراكمة ..

 

 

 

نستطيع نحن كمربين وآباء أن ندرك حقيقة المرض العدواني عند أطفالنا إذا راقبناه جيدا في سلوكه وتعامله في المواقف ، وتكون أمامنا فرصة جيدة لمساعدته على تعديل سلوكه وعلاجه وتقويمه ، لكن الخطورة تكمن عند إهمالنا له ، وإغفالنا لسلوكه العدواني ، حتى تستقر تلك الصفة فيه وترسخ ، وعندئذ يكون من الصعوبة بمكان أن تتغير ..

 

 

 

وقد اختلفت نظريات العلماء في تفسير السلوك العدواني وأسبابه ، ففسرها البعض على أساس الغريزة، ويرى هؤلاء -ومنهم: سيجموند فرويد-: "أن العدوانية شيء فطري تجاه الآخرين فيرى أن الإنسان قد يكره أخاه بالفطرة، وأن وراء المحبة الظاهرة للناس عداء فطري داخلي، فالظلم والقهر من طبائع النفس وإنما وظيفة المجتمع تهذيب ذلك".

 

 

 

وفسرها آخرون بالإحباط، فقالوا: "إن الإنسان بطبعه ليس عدوانيًا وإنما يتفجرالعدوان بالإحباط"، ومنهم (كايتن إل)، فهم يقولون: "أن الغضب هو سبب العدوان، وأن الغضب ينشأ عندما لا تتحقق أماني الإنسان"، وآخرون رأوا: "أن العدوان إنما هو سلوك متعلم من خلال التعايش والصراع المجتمعي للفرد أثناء حياته"، ومن أبرز من قال ذلك باترسون وباندورا وغيرهم.

 

 

 

ويرى جليفورد: "أن العدوانية سمة شخصية تمتد في البعد بينها وبين الصداقة والمحبة، والناس يتفاوتون في ذلك بقدر قدرتهم على مقاومة رغباتهم الداخلية ومواقفهم المختلفة"، وبالاستقراء البحثي يمكننا الوصول إلى أن طبيعة الإنسان الأصلية ليست عدوانية وليست على الجانب الآخر خانعة أو ضعيفة، ولكن لدى كل امريء قابلية ذاتية تختلف عن الآخر وتزيد الحوادث الحياتية والخلطة المجتمعية والتكوين الذاتي المصطحبة والمبادىء الذاتية والقدرة على ترويض الذات.

 

 

 

قد تظهر العدوانية عندما يتعرض الطفل للفشل المتكرر نتيجة طموحات مرتفعة لا يستطيع الوصول إليها ، أو عندما يتبلور لدى الأبناء أهداف غير واقعية، يجنح بها الخيال أو يتمناها العقل ، كذلك تزداد النزعة العدوانية المختبئة ظهورًا عندما يتحداها المحيطون ويشيرون إليها بالمقت والكراهية.

 

 

 

طبيعة المجتمع الحديث الضاغط تؤثر كذلك في سرعة دورانه وسحقه للشخصيات التي لا تستطيع التكيف معه ، و المادية الشديدة التي تتصف بها بعض المجتمعات مع إهمال الجوانب الروحية ، مع البعد عن التعاليم الإيمانية والقيم والمبادىء العلوية، والتي جاء بها الأنبياء عليهم السلام هدى ورحمة للناس ودفعًا للظلم بينهم والعدوان.

 

 

 

ونستطيع أن نلحظ بدايات الاتصاف بتلك الصفة عند أطفالنا إذا لاحظنا القلق والاطراب وعدم السكينة في الأحوال الشخصية للطفل ، مع اتصافه بحب ذاته ، ورغبته في التقدير والمديح الدائم .

 

 

 

كذلك قد نلحظ لديهم حب قضاء اللحظة وتغير المزاج من حالة لأخرى بسرعة , مع عدم شعوره بالأمن ، وبحثه دائما عن كبش فداء لأخطائه .

 

 

 

ويتصف العدواني بكثرة الجدل وعدم القدرة على تهدئة الحوار ، مع سرعة الاستفزاز وصعوبة السيطرة على الانفعال ، مع الصراحة الزائدة، فقد يصرح لأصدقائه بالكره لمجرد موقف.

 

 

كما يكون مستعدا للاشتباك بالأيدي ، مع كثرة الغيرة الداخلية ، و حدة الطباع ، وسوء فهم الآخرين وإساءة الظن بهم.

 

 

 وسائل علاجية:

 

1- من أهم الوسائل التي تؤثر في نجاح العلاج هو ملاحظة المرض في بدايات نشأته، ويقع ذلك على عاتق المربين في المرحلة الأسرية الأولى ومرحلة الابتدائي.

 

2- ينبغي على المربين ترسيخ مفاهيم العفو والصفح والتغافر، والتواد والتحابب في نفوس الأبناء والطلاب بصورة مكثفة ومتتابعة بحسب ما يناسب قدراتهم.

 

3- كذلك من المهم ترسيخ مفاهيم الحوار وتقدير رأي الآخرين، واحترام سلوك الآخر وحقهم في التعبير والتصرف بما لا يضر.

 

 

4- ترسيخ مفاهيم الرضا والقناعة ومفاهيم التصالح الذاتي، فإنها ستؤثر على ضعف مشاعر الغيرة والرغبة في سحق الآخرين.

 

 

5- على الوالدين دور كبير جدا في العدل بين الأبناء، فالحرمان أو عدم الموازنة في العطاء يولد الغيرة والكره الذين هما من أسباب انبعاث العدوانية.

 

6- سرعة التدخل عند الخلافات.

 

7- الاهتمام بالتأثير الإيماني والعقيدة في القضاء والقدر والرزق ومثاله ، كما تبدو أهمية كبيرة للدورات الروحية التطبيقية كالمواعظ والارتباط بالمساجد وحضور دروس العلم والتربية.