طريق وحسبة !
2 جمادى الثانية 1438
د. خالد رُوشه

هناك تضاد موجود في شخصية كثير من المسلمين بين العمل للدنيا والعمل للآخرة !

 

 

والسبب الرئيس لهذا التضاد هو الفهم الخاطىء لكثير من النصوص الواردة في ذم الدنيا ، فينتج عن ذلك الرغبة في القعود والكسل ، والتواكل ، ورفض الطموح ، وذم العلم ، وما يمكن أن ينتج عن ذلك .

 

 

والحقيقية أن هذه النصوص التي وردت في ذم الدنيا ، إنما انكرت على الذين يرتضون بها من دون الآخرة ، أو أولئك الذين يريدون فيها علوا وفسادا ، أو أولئك الذين يغفلون بها عن عبوديتهم لربهم .

 

 

فليس المراد إهمال الدنيا بالكلية واجتثاثها , بل تصريفها في أغراض الحق واستعمالها في نفع أمة الإسلام وقيم الإيمان ووراثتها لإقامة العدل والصلاح ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ”

 

 

فالمراد هو استخدام الدنيا في طاعة الله عز وجل , وعدم إرادتها لمعصيته أو الغفلة عنه.

 

 

إن الإسلام لايفرق بين طريق الدنيا وطريق الآخرة ، فهما طريق واحد في ميزانه وحسبة واحدة في حساباته ، فلا تبتل ولا انقطاع عن النيا بحجة عمل الآخرة إلا ما كان خاصا وقليلا وبحسب الحاجة .

 

فالإسلام لايفرق بين الدنيا والآخرة ، وأدت هذه التفرقة إلى عزلة بعض الناس وتنسكهم وتبتلهم بعيدا عن مجتمعاتهم وتكالب آخرين على الحياة يجعلونها همهم الأوحد ينتهبون ما فيها من متعة قبل وقت الفوات فتملكهم شهوتهم ولا يملكون نفسهم منها وتقتلهم في نهاية الأمر أو تشقيهم بالتعلق الدائم الذي يهنئ ولا يستقر.

 

وإذا كانت هذه الدنيا هي وسيلة أو قنطرة إلى اليوم الآخر . أليس من الواجب إصلاح هذه القنطرة بالإيمان أيضا لكي نتمكن من الوصول للغاية الكبرى وهي الفوز بالجنة والنجاة من النار ؟

 

ورغم أن كل أعماله صلى الله عليه وسلم مقصود بها وجه الله تعالى وحده . فهو صلى الله عليه وسلم لم يكف لحظة عن تعمير الدنيا والعمل لإصلاح الأرض وإحسان الاستخلاف فيها .

 

نعم إن في ذلك من حياته صلى الله عليه وسلم لدرسا يقتدي فيه المسلمون بينهم ويهدون به البشرية الضالة إلى سواء السبيل يتعلمون أن يربطوا طريق الدنيا بطريق الآخرة ويتعلمون أن الدين ليس عزلة عن الحياة وإنما هو صميم الحياة.

 

وقد كان المسلمون وهم يؤمنون بدينهم ويعملون به يبنون أروع حضارات الأرض وينشئون أرفع مفاهيمها ولا ينحرفون عن طريق الله.

 

 

فكانت طاقة العمل تدفعهم لإصلاح الأرض والإنشاء والتعمير والفتح في الأرض فبلغوا في لمحة خاطفة من الزمن ما لم يبلغه غيرهم في قرون وكل هذا كان في سبيل الله ولم يفصلوا بين الدين والحياة.

 

 

فالعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة حتى ولو كانت القيامة بعد لحظة بل ينبغي عليهم أن يعملوا ولا يساموا من العمل ولا ينتظروا الثمرة في الحال بل عليهم أن يعملوا ويصبروا ولا ييأسوا بسبب الفشل . فإن كل المعوقات والمسيئات والمستحيلات كلها لا وزن لها ولا حساب لها ولا قيمة.

 

 

فالقرآن عندما يذم الدنيا لا يذمها مجردة وإنما يذمها مقارنة بالآخرة ونعيمها ” وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ”

 

 

بل ورد الأمر منه صلى الله عليه وسلم أن نصلح دنيانا وإن قامت الساعة : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ” رواه أحمد .

 

 

وأيضا روى عن الحارث بن لقيط قال : “كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول أنا أعيش حتى أركب هذه ؟ فجاءنا كتاب عمر : أن اصلحوا ما رزقكم الله فإن في الأمر تنفسا ” رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني

 

 

وأيضا روى البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن سلام قال ” إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها فلا تعجل أن تصلحه فإن للناس بعد ذلك عيشا ” صححه الألباني .