من سيماء طالب العلم
19 جمادى الثانية 1438
د. خالد رُوشه

أول سيماء طالب العلم الصالح إصلاح قلبه ، فهو المحرك الأكبر الذي يمد الجوارح بالدافعية الذاتية , وهو الحكيم الناصح لكل حركة وسلوك , وهو المستشعر الحساس لصحة أي قرار ..

 

 

قلوبنا هي ذواتنا الفعلية إذا نحن تجردنا عن المظاهر والأشكال , وهي حقيقتنا إذا نحن خلعنا أقنعة الأجساد , وهي مقياس فعاليتنا ومحور دوران نفوسنا في كل لحظة تمر بها الحياة ..

 

وتحتاج القلوب - كما تحتاج الأفكار - إلى وضع خطط لتصل إلى أهدافها وآمالها , كما تحتاج إلى ترتيب أحوالها ووضع وسائل وصولها لما ترجو وترنو ..

 

 

والقلب الهائم بلا خطة محكمة لآدائه غالبا ما يستشعر الألم والحزن ويأخذ صاحبه إلى متاهات غير معلومة من الكآبة والضيق والاستشعار بالفشل المحيط ..

 

 

وحياة طالب العلم قائمة على دوام مراقبة الله في السر والعلن , والسير بين الخوف والرجاء, وعلى طالب العلم أن يملأ قلبه بمحبة الله سبحانه وليرطب لسانه بذكره , وإن فاته ذلك فاته دليل الطريق فمهما سار فهو تائه ..

 

 

ثم التواضع وهو دليل طلاب العلم الصادقين المخبتين لله تعالى, وليحذر داء الجبابرة الكبر, فتعالمك على معلمك أنفه واعراضك عمن يفيدك ممن هو دونك حمق , وتقصيرك عن العمل بالعلم لوثة كبر وعنوان حرمان..

 

 

 " فالزم اللصوق إلى الأرض والإزراء على نفسك وهضمها ومراغمتها عند الاستشراف " حلية طالب العلم

 

 

ثم تأتي القناعة والزهادة : قال في حلية طالب العلم: "فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه, بحيث يصون نفسه ومن يعول, ولا يرد مواطن الذلة والهون, وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي المتوفى في 17/12/1393هـ رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا, وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية, وقد شافهني بقوله: لقد جئت من البلاد "شنقيط" ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد, وهو القناعة, ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها, ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية, فرحمه الله تعالى رحمة واسعة"

 

 

ثم ليتحل الطالب الصادق بحلية العلم الخاصة وسر زينتها ، السكينة والوقار ، والتحلي بالمروءة وحسن الخلق وطلاقة الوجه وإفشاء السلام , فعن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم .

 

 

 قال الخطيب البغدادي رحمه الله: "يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب والعبث والتبذل في المجالس, بالسخف والضحك والقهقهة وكثرة التنادر, وإدمان المزاح والإكثار منه.

 

وكذلك فعليك بالبذاذة والاخشوشان في الملبس وعدم التشبه بالأعاجم ولا بغيرهم, وكن حذرًا في لباسك لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء والتكوين والذوق.

 

والناس يصنفونك من لباسك, بل إن كيفية اللبس تعطى للناظر تصنيف اللابس من: الرصانة والتعقل أو التمشيخ والرهبنة أو التصابي وحب الظهور.- حلية طالب العلم –

 

فخذ من اللباس ما يزينك, ولا تجعل فيك مقالاً لقائل ولا لمزًا للامز, وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك, بل بحسن نيتك يكون قربة؛ لأنه وسيلة إلى هداية الخلق, وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب" أي ليعظم في نفوس الناس فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.