24 ربيع الأول 1439

السؤال

أنا طبيبة، نشأت في أسرة مفككة أسريا، الخلافات بين أبي وأمي كانت بصورة يومية، كنت أرى أبي محقاً، لكنه أيضاً كان قاسياً ومنشغلاً عنا ومقصراً في حقنا!

عانيت كثيرا من قسوة أمي حتى أصبح هدفي الوحيد هو الخروج من منزل الأسرة الذي كنت أكره كل جزء به فالتحقت بجامعة بعيدة عن محافظتنا.

وبدأت أنعم بالهدوء النفسي لأول مرة وشفيت من أمراض نفسية كثيرة كنت أعاني منها نتيجة لقسوة أمي من سقوط للشعر لإغماءات متكررة وانتهت سنوات الجامعة.

وتمنيت عدم العودة إلى منزل أهلي فوافقت على زميل لي فقط لأنه يعيش في نفس محافظة جامعتي.

وأثناء فترة الخطوبة لم أشعر بأي ميل تجاه خطيبي فصارحت أهلي بعدم رغبتي في إتمام هذا الزفاف وجاء الرد كالعادة بالتهديد والوعيد لدرجة أن أمي ظلت تدعو أن يصيبني مرض السرطان حتى تستريح مني!

فأكملت كارهة لأهلي ولخطيبي ولكل شيء حتى إنني لم أختر أي شيء في منزل الزوجية حيث قامت أمي بتأثيثه على هواها.

وليلة فرحي كان أول يوم أرى فيه بيتي وصارحت زوجي ببعض مشاكلي فتفهمها في حينها ولم يغصب عليّ في أي شيء.

ولكني أصبحت كارهة لحياتي ولزوجي وبيتي وأهلي وأصبحت أقضي معظم وقتي بعملي، وأدمنت التدخين وبدأت أشعر بالذنب تجاه زوجي فقررت تناول المنومات حتى أسمح لزوجي بالاقتراب مني ولكن هيهات كنت أشعر بالاغتصاب والنفور الشديد!!

وأصبت بالأمراض النفسية مرة أخرى حيث بدأت أفقد وزني وأصاب بإغماءات لدرجة أني أصبت بجرح في الجبهة أثناء حالة إغماء وأصبحت وحيدة ومنعزلة لا أتحدث مع أحد ولا زوجي..

حتى فوجئت بأنه على علاقة بزميلته فواجهته فأنكر وتناسيت الموضوع لكنى فوجئت به يرسل إليّ برسالة طلاق ويصر على الطلاق وقام بإخبار أهلي بكل شيء..

والآن أنا أعرف خطئي جيداً ولكن زوجي يعيش قصة حب مع زميلته ويرفض إعطائي أي فرصة ولا يتحدث إليّ.

والان لقد خسرت كل شيء حياتي و٤ سنين زواج وسوف أعود إلى منزل أهلي الذي طالما حاولت الخروج منه وسوف أعود إليه وأنا أحمل اللقب البغيض (مطلقة).. أرشدونى ماذا افعل؟

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

الابنة الكريمة:

مشكلتك تتداخل فيها عدة عناصر مختلفة، قد تلاقت لتسبب لك ما أنت فيه من آلام، وما أوصلك إلى هذه الحال الصعبة التي أنت فيها الآن، حيث خسرت بيتك، ووقعت في آلام مرضية، وبنيت جدران غليظة بينك وبين أمك، وما لم تذكريه من الأمور المعروفة..

 

أهم تلك العناصر برأيي هي:

- طبيعتك النفسية، المستعدة للاكتئاب والهموم، الرافضة للآخر، شديدة الحساسية، التي جعلتك تراكمين الترسبات الحياتية والاجتماعية، وتحتفظين بها كمؤثر سلبي تجاه خطواتك الحياتية.

 

- سوء الظروف الاجتماعية، والصراعات المنزلية، وما نتج عنه من خلفيات سلبية تجاه الرجال، ورفض، بل وكره – في بعض الأحيان -، وعدم ثقة فيهم وتجاههم.

 

- سوء العلاقة بينك وبين عنصر من أهم عناصر الحياة وهو أمك، نتيجة طبيعة أمك الشديدة، وغير المتفهمة لظرفك الخاص.

 

- اعتمادك على ذاتك في اتخاذ قرارات حدية، واستسلامك لآثار قراراتك الخاطئة، من سعيك للوحدة، ثم قرار زواجك بمن لا تحبين، ثم قرار التدخين.. ومثاله.

 

الحقيقة أن هكذا مؤثرات أنتجت نفسية مرهقة، ملولة لمن حولها، تميل للوحدة، وترفض الاجتماعية، وتنفر من التقارب، وتبادر بالعدائية..

 

وعليك الآن أن تتعلمي مما مر بك من مواقف وتستخرجي الدروس والفوائد، ولا تكرري الأخطاء..

 

الابنة الكريمة:

أمامك عدة تحديات يجب عليك أن تبادري بها فورا:

الأول: وقفة إيمانية مع نفسك تلجئين فيها لربك سبحانه، تستعينين به وتكثرين من ذكره ودعائه ورجائه فيما أنت فيه، وتلحين في الدعاء له بما تريدين.

 

الثاني: متابعة العلاج النفسي الدوائي عند طبيبة أخصائية نفسية متميزة.

 

الثالث: تحد لنفسك فيما يخص الاقتراب والتودد والتحاب لأمك، والاعتذار لها، والصبر عليها، والإحسان إليها، والبر بها، ولعل هذا السلوك هو مفتاحك للخروج من النفق..

 

الرابع: المبادرة بقبول الافتراق مع هذا الزوج المظلوم معك، والذي لا تحبينه، وإن كان سلوكه خطأ بشأن محبته لفتاة أخرى، ولا نجد له عذراً فيه، حتى إذا تزوج زواجاً شرعياً ليصلح خطأه..

 

وأنصحك بأن تسترشدي بالأكبر منك والأعلم بشؤون الحياة فيما يخص شأن الانفصال، كما أنصحك بلقاء صريح معه لو كان هناك بينكما بقية..

 

الخامس: أن تعدي نفسك لتجربة زواج جديدة ملؤها رضا الله سبحانه، وأساسها القبول والمودة والرحمة، ولعل الله يرزقك بالصالح لك المناسب.

وفقك الله.