عندما يهزمنا الخطأ
23 شعبان 1438
د. خالد رُوشه

كلنا خطاء ، وليس ثَم من الناس من لم يزل ، لكن الناس تجاه أخطائهم وزلاتهم مختلفون ، منهم من يقعده خطؤه فيثنيه عن مسايرة الطريق إلى الله سبحانه ، ومنهم من يدفعه خطؤه نحو التوبة والاستغفار والترقي في مقامات التقى .

 

 

البعض يقيده خطؤه وذنبه ، فيشل حركته ، ويكسر نفسه ، ويسيطر عليه كليا فيقطعه عن عمل الصالحات ، ويبني له حاجزا عن الهدى والصلاح.

 

 

بل إن البعض قد يترك نفسه نهبا للشيطان بعدما يقترف الذنب ، فيعود إلى الذنب مرات ومرات ، وما من دافع له في ذلك إلا الياس من التوبة والإصلاح .

 

 

 

ويظل المرء يلوم نفسه ويبتعد خطوة خطوة عن طريق الهدى ، ويقترب خطوة خطوة من اصحاب الشر ومن سلوك الشر وسبيله ، فيتراكم الران على قلبه شيئا فشيئا !

 

 

الشيطان يستغل فرصة المعصية عند المؤمن , فيقنطه من التوبة , ويضيق صدره , ويبعده عن الايمان خطوة خطوة , فتلد المعصية معصية , وينتج الذنب ذنبا , فيبتعد المرء شيئا فشيئا , بحجة أنه لم يعد صالحا لطريق الهداية !

 

 

كثير من الناس بوقوعهم في الإثم تنتهي مسيرتهم مع الاستقامة , ويفتحون ابواب قلوبهم للمنكرات المتتالية ولعل أحدهم يختم له بذلك والعياذ بالله

 

 

الله سبحانه حذرنا من ذلك فقال سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "

 

 

قال المفسرون : خطواته يعني طرائقه ومسالكه وما يأمر به ونزغاته , وقال قتادة : كل معصية هي من خطوات الشيطان

 

 

كما أن الله سبحانه وتعالى أعطانا الحل الأمثل لذلك : فقال سبحانه :

( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏ )

 

 

فأمر بالانسلاخ الفوري من الذنب بالاستغفار والتوبة , " فاستغفروا لذنوبهم " فور الذنب وبعد المعصية , عرفوا أن الله سبحانه هو غفار الذنوب وقابل التوب فسارعوا بالاستغفار والتوبة ولم يركنوا لخطوات الشيطان ولا تكاسلوا في مواجهته , بل عالجوا المشكلة فورا

 

 

كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135].

 

 

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].

                      

 

 ‏النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وجهنا إلى حل تلك المشكلة بحديثين الأول أخرجه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» 

                       

 

وفي معناه أخرج أحمد من حديث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم»

 

 

وأما الحديث الثاني فقوله صلى الله عليه وسلم :" اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "

 

 

فأمر باتباع السيئة للحسنة فورا , وقد فسرتها الأدلة الأخرى بالتوبة والاستغفار , وبالصدقة وبالندم والعزم على عدم العودة

                       

 

الحزن على الذنب مطلوب بل الندم واجب على الذنب والألم لفعله لازم , واستشعار عظم الفعل اساس في التوبة , لكن لايجب أن يقعدنا الذنب عن التوبة .

                   

إنه منهج رباني عظيم نذكر به أنفسنا وإخواننا الذين قد يسقطون في الذنب فيصيبهم الوهن ويقعدهم الألم عن إكمال المسيرة نحو النور والهدى