
فرصة جديدة ، ونعمة جديدة ، ومنة من الله سبحانه علينا جميعا ، أن امهلنا حتى بلغنا رمضان ، فهل ترانا نستشعر النعمة ونتفهم المنة ، ونجرد كشف الحساب ؟!
حقيق على الأخيار أن يفرحوا برمضان , لكن أيضا حقيق عليهم أن يهتموا كثيرا لما دارت به الأيام من أعمال , انغمسوا اثناءها في كل ما ينسي عن لقاء الله , فعاد أحدهم خالي الوفاض , فارغ الجراب , إلا من مال اكتسبه , أو شغل أنجزه , نسي فيه حظ الآخرة !
هل يحق لنا أن نسأل أنفسنا ، هل ترانا سنحظى بهذه الفرصة مرة قادمة ؟ أم أنها آخر الفرص ؟!
وماذا لو كانت هذه هي بالفعل آخر فرص لنا في اللحاق برمضان ؟ كيف سيكون تعاملنا مع استقباله وأيامه وليله ونهاره ؟ كيف سيكون شعورنا بينما تنقضي ساعاته ؟ كيف سيكون هدفنا طوال ثلاثين يوما هي عمره بيننا ؟!
إن الحياة في نظر كثير من الناس حلوة خضرة , يتشبثون بها ويتعلقون بمكاسبها ونعمها , فلا يتصورون الرحيل عنها , ولايريدون مجرد التفكير في الرحيل !
لكن الحكماء ينظرون بنظرة مختلفة , والصالحون الذين رزقهم الله نعمة البصيرة يرون الأيام برؤية أخرى , إنها لحياة قصيرة مهما طالت , ونعمة قليلة مهما كثرت , وسعادة راحلة مهما تصورنا بقاءها , فالأعمار زائلة والموت ينادي على الناس كبيرهم وصغيرهم ولا يستثني أحدا ..
إذن فمن الممكن على اية حال لكل أحد منا أن يكون رمضانه هذا هو الأخير , ومن الممكن أن يكون وداعه لأيامه هو وداع الراحلين أبدا فكيف ينبغي أن نتصرف ؟!!
ماأرشحه لنفسي ولقارئي الكريم ثلاثة أمور أساسية نستطيع بها أن نبتدئ هذه الأيام :
أولها نظرة للوراء , تجمع سيرتنا مع الله العظيم جل شأنه , ندقق فيها لما نظنه قد كتبه الكرام الكاتبين من ذنوب وآثام علينا في مشوار حياتنا الفائتة , نجمعها ونبذل جهدنا مااستطعنا لإحصاء مااستطعنا منها , ونضعها بين أيدينا بينما نحن نتمثل أنفسنا في موقف الحساب أمام رب الأرض والسماء , نستحضر الندم المحرق عليها ونستشعر الحزن المؤلم على أفعالنا ومعاصينا , نستثقل المسئولية إذا نحن لقينا ربنا بهذا الحمل الثقيل , نستدعي الدمعات ونسكب الحسرات , نسجد لله طلبا للغفران , ياربنا نحن الضعفاء العصاة المذنبون , جئناك بما يثقل كاهلنا ويعيق فلاحنا , نرجوك الغفران لها جميعها فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة ..
وثانيها نظرة للحقوق المادية , فنراجع كل شىء قد حصلنا عليه بباطل أو بغصب أو بعدم رضا ونراجع كل شىء قد أخذناه بغير حقه فنرده ونتخلص منه .
كذلك فنحصي الأمانات التي لدينا مهما كانت قليلة , مال ائتمننا عليها الناس , أو حفيظة مودعة , أو كتاب منسي أو حتى عود سواك تركه بعضهم أمانة عندنا
كذلك نحصي الديون التي علينا فنردها لأصحابها , أو نستسمح أصحابها فيها حتى وقت الأداء أو نوصي بها في وصيتنا التي ننام وهي تحت رؤوسنا .
وثالثها نظرة للحقوق المعنوية , فنرد غيبة من اغتبناه , نذكره في المجالس بما يحب , وندعو له أن يغفر الله له , ونستسمح من كنا قد أخطانا في حقه بسباب أو غضب أو حتى صراخ وتأنيب بغير حق ..
إنها أيها الصائمون نصائح الراحلين , الذين لا يلوون على شىء من الدنيا , ولايأملون في أيامها غير طاعة الله سبحانه , لعلنا أن يأتينا رمضان ويرحل عنا فيشفعه الله فينا ويشهد معنا لا علينا ..