حاجتنا لأوراد الذكر اليومي
11 رمضان 1438
د. عامر الهوشان

مع التطور المتسارع في مختلف أوجه حياة البشر تتفاقم ضغوطات الحياة المادية والنفسية على الإنسان فلا تكاد تجد أحدا من الناس يخلو منها ومن تأثيراتها السلبية على استقراره وهناءته وسعادته بل حتى على وجوده , فبالإضافة للأرقام الهائلة من الأنفس التي يقضي عليها مرض القلق حسب إحصائيات موثقة تؤكد أنه القاتل رقم واحد في أمريكا كما جاء في في كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" لمؤلفه ديل كارنيجي....هناك الاكتئاب و اللجوء إلى المخدرات والإسراف في شرب الخمر و الانتحار...هربا من ذلك الفراغ الروحي الذي تعاني منه معظم المجتمعات غير المسلمة .

 

 

كل شخص من عشرة أشخاص في أمريكا مهدد بالانهيار العصبي ومرجع ذلك على العموم هو القلق " بسبب الفراغ الروحي"....هذا ما يذكره ديل كارنيجي مؤكدا أن الأمريكيين الذين يموتون من جراء الانتحار يفوق عددهم عدد الذين يموتون بالأمراض المختلفة مجتمعة !! لماذا ؟ من المؤكد أن الجواب هو القلق الذي يفقدهم وعيهم ويقلب حياتهم إلى جحيم لا يطاق .

 

 

في مثل هذه الأجواء التي تزداد فيها قسوة ضغوطات الحياة المادية الصرفة - التي يسعى أعداء الإنسانية والإسلام إلى نشرها خارج حدود بلادهم – على الناس عموما ....تبدو الحاجة إلى درع يحمي المسلم من آثارها السلبية وسلاح يدفع به نتائجها الوخيمة عن نفسه وروحه وقلبه من الأهمية والضرورة بمكان .

 

 

قد لا يدرك البعض السر الكامن وراء تلك الكلمات النورانية التي تحويها أذكار الصباح والمساء وما يطلق عليه اسم "الورد اليومي للمسلم" , وقد لا يعي آخرون حجم القوة الروحية والمعنوية التي تبثها تلك العبارات الإيمانية في نفوس أتباع دين الله الخاتم الملتزمين بها .....وهو ما يعين المؤمن على مواجهة طغيان الصبغة المادية للحياة المعاصرة و الصمود أمام سيل الشبهات والشهوات التي تقذفها وسائل التقنية الحديثة .

 

 

تأمل معي تلك الكلمات الإيمانية التي يفتتح بها المسلم نهاره الجديد : أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة ابراهيم عليه السلام وما أنا من المشركين ....أصبحنا وأصبح الملك لله عزوجل اللهم أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ....اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك ......

 

 

عبارات فيها تجديد الإيمان بدين الله الإسلام والتماس خير الصباح الجديد الذي ينعم الله تعالى به على عباده والتعوذ من شر ما فيه وشر ما بعده , وكلمات فيها إحياء للجانب الروحي والقلبي والإيماني , وشهادة بوحدانية الله تعالى وتوثيق عرى الارتباط بفاطر السماوات والأرض .

 

 

ليست مواجهة تيار الحياة المادية الجارف الذي نعيشه حاليا و المحافظة على التوازن بين متطلبات الجسد والروح وما يمكن تسميته في العصر الحديث "الصحة النفسية".....هو فقط ما يؤكد ضرورة حاجة المسلم إلى ما يسمى الورد اليومي من الأذكار , فهناك ضرورة معالجة الغفلة عن الله التي أضحت مرضا مزمنا و مما "تعم به البلوى" , حيث يأتي ذكر الله تعالى في رأس قائمة العلاج الأنجع لهذا الداء .

 

 

قال ابن الصلاح رحمه الله : من حافظ على أذكار الصباح والمساء وأذكار بعد الصلوات وأذكار النوم عُد من الذاكرين الله كثيرا .

 

 

بل إن حاجة المسلم إلى الورد اليومي من ذكر الله تعالى هي أهم في الحقيقة من الطعام والشراب , وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله : حاجة العبد للمعوذات – كنوع من أنواع الذكر – أشد من حاجته للطعام والشراب واللباس .

 

 

وتصل ذروة حاجتنا للورد اليومي من الأذكار في كونها الحصن الحصين والدرع الواقي للمسلم , وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله : أذكار الصباح والمساء بمثابة الدرع كلما زادت سماكته لم يتأثر صاحبه , بل تصل قوة الدرع أن يعود السهم فيصيب من أطلقه .

 

 

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : أذكار الصباح والمساء أشد من سور يأجوج ومأجوج في التحصين لمن قالها بحضور قلب .

 

 

والحقيقة أن شواهد العصر الحديث ترسخ هذه الحقيقة وتؤكدها , فكثيرون هم الذين تحدثوا عن حفظ الله تعالى لهم من مكر و كيد أعدائهم وما يدبرون لهم من ضر و أذى , وعن نجاتهم بسبب محافظتهم على الورد اليومي من الأذكار المأثورة من مخاطر وأهوال كموت محقق أو ضر مؤكد . 

 

 

يكفي هنا الاستشهاد بما تحدث به الدكتور عائض القرني عن أثر تلاوة تلك الأذكار في حفظ الله تعالى له أثناء محاولة اغتياله في الفلبين منذ أكثر من عام , حيث أكد أن القاتل أطلق عليه أكثر من رصاصة من مسافة قريبة جدا , إلا أن الله تعالى نجاه مع ذلك من موت محقق بفضل محافظته على ورده اليومي من التسبيح والتحميد والتهليل وغيرها من أذكار اليوم والليلة المأثورة .