إنه رمضان الكريم مازال معنا لم ينته بعد , و ما زالت لدينا الفرصة , و الفرصة أغنم في العشر الأواخر و أعظم .
ومن أعظم الأمال التي تعين على القبول هو رد الحقوق وأداؤها لاصحابها .
فلينظر كل منا في امر نفسه و ليبحث و يدقق هل لديه حقوق لأحد , فحقوق الناس امرها عظيم ولا بد من المسارعة بأدائها قبل ان يأتي الموت فيقول رب ارجعون فيندم حيث لا ينفع الندم .فما الذي يجعله يتوانى و يعطل اداء الحق التي عليه ؟
الا يعلم المعطل لها ان تعطيل الحقوق يعسر عليه امره و ينغص عليه حياته و هو لا يشعر . يقول الله تعالى ( يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ) .
وقد يأخذ أحد أموال الناس وهو في قرارة نفسه لا يريد ردها ولا يبالي أو لا يهتم بسدادها ،وقد قال صلى الله عليه وسلم فيه ( من أخذ اموال الناس يريد اداءها ادى الله عنه , ومن اخذها يريد إتلافها اتلفه الله )البخاري
وقد يوسوس الشيطان لآخذ المال... أن المال الذى أخذه قليل , فيستهين به و كذلك كما يستهين صاحب المعصية بالذنب الصغير و هو يغفل أن الجبال من الحصى .
و قد لا تكون الحقوق أموال, بل أمور أخرى يقول الرسول صلي الله عليه وسلم (إن لربك عليك حقا, و لنفسك عليك حقا, و لأهلك عليك حقا, فأعط كل ذي حق حقه ) رواه البخاري.
فللإنسان حق علي نفسه أن يعبد الله تعالي و يتقيه و يصلح أحواله , و له حق لأخيه المسلم كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( ست خصال واجبة للمسلم علي المسلم , من ترك شيئا منهن فقد ترك حقا واجبا : يجيبه إذا دعاه , و إذا لقيه أن يسلم عليه , و إذا عطس أن يشمته , و إذا مرض أن يعوده و إذا استنصحه أن ينصح له ) البخاري في الادب المفرد .
و للأبون حق علي أبنائهم في الاحسان و البر , و للأولاد حق عند أبويهم في التربية و الرعاية و الاهتمام و الكفالة .
و للزوج حق علي زوجته في الطاعة و أداء الواجبات و الاحترام , وللزوجة حق علي زوجها بالرحمة و العشرة بالمعروف .
و للجار حق , و للفقراء حق , و لليتامى حق ,و للصديق حق , و للقريب حق , و للطريق حق , و علي البائع حق , و علي المشترى حق , و للضيف حق , و لبدنك عليك حق .
قال ابن تيمية :" إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبه الظلم وخيمه وعاقبه العدل كريمة ويروي ان ( الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافره ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنه ).
فالظلم دليل علي ظلمه القلب وقسوته فديوان المظالم لا يمحي الا بالخروج منها الي أصحابها واستحلالهم منها "
فقد حذر الله تعالي كل ظالم في قوله تعالي ( إن اعتدنا للظالمين نار أحاط بهم سرادقها , وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) الكهف 29.
فسعادة البيوت لا تتحقق الا بتحقيق العبودية لله تعالي والتحلي بالخلق الطيب والتغاضي عن الهفوات , وحرص كل فرد منها علي أداء الحقوق والواجبات لله تعالي .
وأمور الناس وحياتهم لا تستقيم الا بمعرفه الحقوق , فعندما فرط الناس في حفظ الحقوق وردها لأهلها حدث ضمور للعلاقات , وزاد الكره بينهم والضغينة في القلوب , غير القطيعة والهجر ، فهجر الأخ أخاه ونفرت الزوجة من زوجها وسأم الزوج من زوجته وازداد البعد والهجر بسب ضياع الحقوق .
قال ابن القيم رحمه الله: " الانسان خلق في الاصل ظلوم جهول ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه ويلهمه رشده , فمن أراد به خير علمه ما ينفعه فخرج به عن الجهل ونفعه بما علمه فخرج به عن الظلم , ومن لم يرد به خير أبقاه علي أصل الخلقة فأصل كل خير هو العلم والعدل وأصل كل شر هو الجهل والظلم ."
وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم من دعاء المظلوم فقال من حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).
وأيضا من الأمور الهامه شكل الإحسان في رد الحقوق :
- فلا تضر صاحب الحق ولا تماطله لسداد حقه ، ولا تلجئه الي الشكوى ، و لا تلجئه إلى ترك حقه عجزا عن مطالبتك.
- وعليك بالأمانة في أداء الحقوق فقد جعل النبي الأمانة دليلا علي إيمان المرء وحسن أخلاقه فقال صل الله عليه وسلم (لا إيمان لمن لا أمانة له , ولا دين لمن لا عهد له ) رواه احمد .
- لابد من أداء الحقوق بسماحة و طيب نفس أي عن طيب خاطر .
- إن كنت لا تستطيع أداء الحق فعليك مصارحة صاحب الحق وتحديد ميعاد آخر تلتزم به, ولا تلجأ للهروب منه ومراوغته ,بل تلزم نفسك في الميعاد الجديد بالسداد .
فحفظ الحقوق أعظم ما يمكن للمرء القيام به , إذ هو نعمة لفاعله و جامع أنواع البر والخير .
تعالوا نتقرب لله تعالي بهذا العمل في آخر رمضان ولنرد الحقوق لأصحابها عسي أن يرحمنا ربنا ويجعلنا من عتقائه