يأتي مقصد الطاعة والانقياد والاستسلام ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم كمقصد ظاهر كذلك من مقاصد الحج , فالحاج يأتي المناسك ويزورها وينتقل بينها , وقد لا تبين له منها الحكم والمعاني , فيبقى له دوما معنى الانقياد والعبودية والتسليم , والاقتداء بنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم , فهو يطوف ويرمي ويذبح ويحلق وإمامه في ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم , فيحج كما حج , ويقف حيث وقف , ويسلك سلوكه ويدعو دعاءه ويذكر ذكره الذي علمه
والروايات الصحيحة تدلنا على مدى اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , فبمجرد أن علموا أنه خرج حاجا «فلم يبق أحدٌ يقدر أن يأتي راكباً، أو راجلاً، إلا قدِم» رواه النسائي، «كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويعمل مثل عمله» رواه مسلم.
كما أنه -صلى الله عليه وسلم- ظل يؤكد على اتباعه في مناسك الحج والتعلم منه قائلا : «لتأخذوا مناسككم ؛ فإني لا أدري لعلِّي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه : «فنظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب، وماشٍ ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومـن خلـفه مثـل ذلـك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به» رواه مسلم.
ولم تكن كلمات عمر بن الخطاب أمام الحجر الاسود إلا تطبيقا لمتابعته للنبي صلى الله عليه وسلم إذ قال " إني لأعلم أنك حجر لاتنفع ولاتضر ولولا أني رايت رسول الله يقبلك ما قبلتك " متفق عليه
قال الحافظ ابن حجر : «وفي قول عمر هذا، التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه» الفتح
وكان عبد الله بن عمر إذا استلم الحجر قال :" اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسنَّة نبيك" أخرجه الطبراني
ويقول ابن القيم: "إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم، وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، ولهذا لم يحك الله _سبحانه_ عن أمة نبي صدقت نبيها وآمنت بما جاء، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها بها، ونهاها عنه، وبلغها عن ربها، بل انقادتْ، وسلمتْ، وأذعنت" (الصواعق المرسلة).