على خطر الإفلاس .. طريق العقوبة والندم
28 محرم 1439
د. خالد رُوشه

المفلس من يلقى ربه وليس في جرابه إلا بعض ملذات الحياة وزينتها .. كد في جمع المال , ومعاناة من الصراع على المكانة , وتحصيل المصلحة الخاصة من الدنيا .. واذى وأضرار وآلام قد بثها بين الناس .. فجاءت معلقة في رقبته !

 

يلقى الله وهو لايبالي بمن ظلم ولا من آذى في طريقه لجمع دنياه ، ولا بما اقترفت يداه من سوء  ، المفلس من يلقى الله ومعه بعض حطام الدنيا , وقد فرغت يداه من عمل الآخرة..

 

وربما لقي الله بشىء يظنه من عمل الآخرة وقد أفسده بشرور يديه أو بنيته المدخولة وبمتابعته الفاسدة ، أو بباطنه الخبيث ..

 

قد يأتي بصلاة او صيام أو صدقة ، لكنه ياتي بجبال من شرور ، تكونت من المظالم وتراكمت من استهانته بآلام الآخرين وحقوقهم ..

 

عن أبي هريرة - رضي الله عنهُ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتدرون ما المفلسُ؟" قالوا":المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال:" إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار" رواه مسلم

 

إنه إذا كان يوم القيامة لم يكن للمرء ما يملكه سوى الحسنات والصالحات ، تلك التي قدمها اثناء حياته ..

 

إنها هي يومئذ مستقبله وكيانه كله ، فإذا كانت عليه مظالم للعباد فإنهم يأخذون من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات ، فإنه يؤخذ من سيئاتهم فتضاف عليه ، وياويله إذ ثقلت به الآثام ، فادلهم خطبه واسود مصيره ، واظلم مآله ..!

 

فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " اخرجه مسلم

 

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء، وحتى الذَّرة من الذَّرة " أخرجه أحمد

 

قال القاري : " والقضية دالة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ " المرقاة

 

وكذلك الأعراض التي قد تنتهك بالرمي أو بالإشاعات الكاذبة ، او لمجرد الخصومة او مثاله ..

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) اخرجه البخاري

 

بل إن من اخذ اموال الناس يريد إتلافها ، واستدان منهم متهاونا بدَينه ، أو مغررا بهم ، أوماطلهم وهو قادر أن يرد لهم حقوقهم ، يأتي يوم القيامة فيأخذ أصحاب الأموال من حسناته بمقدار ما لهم عنده، فعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه دينار أو درهم، قضى من حسناته، ليس ثم دينار ولا درهم))  اخرجه ابن ماجة

 

 وإذا كانت بين العباد مظالم متبادلة اقتص لبعضهم من بعض فعن عائشة، قالت: ((جاء رجل فقعد بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني، ويخونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك، ولا عليك. وإن كان عقابك إياهم دون ذنبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل  فتنحى الرجل، وجعل يهتف ويبكى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " أخرجه الترمذي

 

بل حتى الصالحين التائبين من المؤمنين من أهل الجنة ، الذين سقطوا في مظلمة في الدنيا وغفلوا عنها ، أو لم يستطيعوا أداءها ، أو تاولوها خطأ أو غير ذلك ، فإنهم يوقفون ليتطهروا قبل دخولهم دار القرار ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا خلص المؤمنون من النار، حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا وهذِّبوا، أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا " أخرجه البخاري

 

فليحذر أحدنا أن يكون من المفلسين .. ولنبادر إلى العمل والعطاء استعدادا للحظة الاستدعاء من ملك الملوك سبحانه ..

 

راجع الحقوق كلها ، وأد ما عليك ، وانو بحث أداء مالا تقدر عليه الآن بمجرد قدرتك عليه ، واستسمح اهل الحقوق ..

 

أطعم جائعا , أو اكفل يتيما , أو اعط فقيرا , أو انصر مظلوما , أو علم علما , أو انشر فضيلة , أو أعن على معروف , أو تعلم خيرا لتنفع به , أو أصلح مجتمعا , أو كن ناصح بر وصلاح .. وما دون ذلك فأنت على خطر عظيم ..