
ضاعت البسمات من وجوه الكثيرين , و امتلأت العيون حيرة ، و انشغلت العقول فكرا ، فقد كثرت الآعباء , و زادت الضغوط , و توالت المتطلبات و أصبحت الحياة هما علي هم .
الكل يخشى الغد و يحمد الله عندما يرحل يوم و ينتهي بمسئولياته !
لقد قلت الموارد ، و اشتكي الآباء الفقر , فيا تري لماذا إذن اشتكوا الفقر؟ !
عادة ما يشكو المرء الفقر عندما يعجز عن تلبية ما يحتاج حاجة ماسة ، فيستشعر به ، وهذا الشعور من أشد وأقسى المشاعر على العائل ..
لكن الحقيقة أن هناك مشاركة عميقة من الجميع في اسباب فقره ، بل قد يكون الشخص ذاته سببا في فقر نفسه ..
فالتقصير في الاستغفار والتوبة مع التلبس بالذنوب سبب من اسباب المعاناة ، فالاستغفارسبب في زيادة الرزق ، يقول سبحانه " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكن جنات ويجعل لكم أنهارا "
والذنوب تتراكم على المرء فتهلكه ، والرجل يحرم الرزق بالذنب يصيبه
والقبول بالربا يمحق بركة المال ، إذ يقول تعالي " يمحق الله الربا " ، قال البغوي : أَيْ: يَنْقُصُهُ وَيُهْلِكُهُ وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ .
والغش في السلعة سبب من اسباب المحق والأزمات ، إذ يتكسب صاحبه من حرام ، والحرام لايبارك فيه .
وعدم اتقان العمل سبب آخر, فإن المهمل في عمله يؤذن الناس بالبعد عنه ويدعوهم للنفور منه ، فهل سيطلبك الناس لعمل يخصهم إذا وجدوا عملك غير متقن ؟ !
والإسراف في النفقة سبب من اسباب الفقر ايضا ، فالاعتدال والوسطية خير وحكمة ، كما أن الإدخار سلوك راشد لاوقات الأزمات ، بشرط ألا يمنع من زكاة أو صدقة او بر .
بل إن الكسل والقعود والخمول والاعتماد على الغير في قضاء المطالب ، والتأجيل والتسويف ، سبب آخر من اسباب العوز والحاجة ، فقد تعوذ النبي صلى الله ليه وسلم من تلك الصفات " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل .." البخاري
واليأس و عدم احسان الظن بالله تعالي سبب من اسباب العوز ، فاذا كنت تخشي الفقر و تحب أن رزقك يزيد ، عليك أن تطمئن بأن الله تعالي هو الرزاق يضمن لك رزقك , وقد تكفل سبحانه بتوفير الرزق لعباده أجمعين يسوقه اليهم في قوله تعالي :" و ما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها " .
على الجانب الآخر فإن هناك ابوابا كثيرة هي أيضا اسباب في بركة الرزق وزيادته :
فتقوي الله تعالي ، سبب عظيم في البركة والرزق ، يقول تعالي " و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب "
وصلة الأرحام تكثر الرزق ، و تبارك في العمر لقوله صلي الله عليه و سلم : " من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه " متفق عليه.
فقطع الرحم يمنع الرزق و يصيب صاحبها بالهم و الغم و ينزع البركة من ماله .
إن الأرزاق مقسمة من عند الله تعالي و لكنها تتفاوت بتفاوت ما قدر لكل امرىء ، ومعلقة باسباب وأساليب السعي للحصول عليها , فالرزق مضمون لمن يسعي ، يقول تعالي : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور "
فإجتهد ، ولا تتواكل ، بل توكل علي الله و خذ بالأسباب و كن مثل الطير كما وصفها النبي صلي الله عليه و سلم : " لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله ليرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا و تعود بطانا " اخرجه مسلم
وكن من الشاكرين الحامدين فقد قال سبحانه : " لئن شكرتم لأزيدنكم "
تصدق ولو بالقليل إن استطعت ، فما نقص مال من صدقة .
فاذا افتقدت كثرة المال يوما ، فأنظر إلي صحتك واحمد الله ، وإذا افتقدتهما فأنظر لأولادك تجدهم في خير عن غيرهم ، وان افتقدت الثلاثة ، فأنظر لأهلك وسكنك , واحمد الله علي كل هذا الخير .
وإذا اقدتت كل ما سبق فانظر إلى نعمته عليك من سمع وبصر وكلام وحركة ، وأعظم ذلك كله نعمة العبودية وقدرتك على العبادة والشكر والذكر .. بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يعتبر الغنى ابدا غنى المال ، قال :" ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس " أخرجه مسلم
أفبعد كل هذه النعم ، يوجد منا أحد فقير ؟!