عاجزون أمام الزلازل !
25 صفر 1439
د. خالد رُوشه

دهشة لابد أن تأخذك عندما ترى المنشآت العملاقة وناطحات السحاب الراسخات ، تتهاوى كأنها علب من ورق بينما الأرض تهتز في زلزال عبر ثوان معدوات  .

 

 أو عندما ترى السيارات تتطاير والاشجار تنكسر بفعل عاصفة رياح قاسية ..

 

او عندما تفاجئنا الامواج العاتية عبر تسونامي قاهر ، يدمر الأخضر واليابس .

 

كل هذا يستوي أمامه اقوى دول العالم مع اضعفها ، وارقى التكنولوجيات العالمية مع أكثرها تأخرا ، الكل عاجز أمام هذه الكوارث القاهرة .

 

إنها دهشة تردنا إلى الحقيقة التي كثيرا ما تغيب عنا أو نغفل عنها ، أننا كبشر ، في منتهى الضعف والعجز ، ومنتهى الجهل بما سيحصل لنا بعد ثوان معدودات ، واننا في أمس الحاجة لرعاية الله سبحانه وحفظه .

 

فلا أمن إلا لمن أمنه الله ، ولا سلامة إلا لمن سلمه الله ، ولا طمانينة إلا لمن طمأنه الله ، مهما سكن في البروج ، او احتمى بالصخور ..

 

المؤمن الصالح يعلم أن ربه سبحانه مالك الملك ، وخالق الأكون ، الحي القيوم ، إليه يرجع الأمر في السموات والأرض ، فما يحصل شىء فيهما ولا يثبت ولا يتحرك  إلا بعلمه وامره ، وان كانت ورقة ساقطة أو حبة نابتة ، أو ذرة متحركة ..

 

هذا المؤمن قلبه معلق بربه ، ويقينه به سبحانه ، يعلم أنه ما من نعمة إلا منه سبحانه ، وما من مصيبة إلا بما كسب يداه .

 

وهذا العبد المؤمن يرى الكون كله من آثار رحمة الله سبحانه ، كل آثاره تذكره بربه ، وكل تجلياته توقظ قلبه ، فيلجأ إليه في السراء والضراء ، رغبا ورهبا .

 

ومنهاجه ذلك ولاشك يخالف المناهج الأرضية ، التي ترد الأمر للطبيعة وتقلبات الجمادات ، وكأن الطبيعة تخلق وتأمر ، وكانها تدرك وتعقل ، وكأنها تقدر وتدبر .. !

 

فالآيات من حولنا تحصل كل يوم ، ولا تقتصر على غير المعتاد منها ، من زلازل وبراكين وفيضانات وإعاصير وغيره

 

إننا نتداول النظرة العلمية البحثية لاسباب تلك الكوارث من الجهة المادية وكون ذلك تغيرات طبقات أرضية وتغيرات مناخية ، وضغوط هوائية ، وتجمعات كهربية ,,,الخ ، لكن علماء الجيولوجيا أنفسهم يكشفون عن أنماط غير منتظمة من التغيرات الكونية من أعاصير وزلازل وبراكين وغيرها ، ما يجعل العالم المتقدم كله لايستطيع أن يتنبأ بها قبل وقوعها ولو بدقائق كما لايستطيع أن يتصدى لها !

 

هذا ولاشك يدل على أن النظرة المادية قاصرة ، وأن النظرة الإيمانية هي الصواب والحق لأنها تجيب على مالا تجيبه النظرات المادية وهي اسئلة من قبيل : متى يحدث ؟ ولماذا يحدث ؟  

 

والعلم المادي قد يكشف شيئاً من أسباب الكوارث لكنه يبقى عاجزاً عن الإجابة عن كثير من الاسئلة ، كما يبقى العالم بكل ما أوتي من قوة عاجزا عن تلافيها ودفع أضرارها { والله يحكم لا معقب لحكمه }.

 

أما أهل الايمان فهم يرون الكوارث من آيات الله ، يخوف الله بها عباده , وكونها تحصل من اسباب معروف بعضها ، لا يؤثر في  صوابية رؤيتهم الإيمانية ، بل يزيدها رسوخا وثباتا وبصيرة ، فهي مقدرة من القدير الحي القيوم سبحانه ، وحاصلة بأمره .

 

فيحيي الله بها قلوب الطيبين ويعيدهم إليه ، وينذر بها الغالين والغارقين ، والمتطاولين ، فأهل الإيمان تنقلب عندهم المحن منحا ، وغيرهم تزيد المحنة قلوبهم إعراضا وغفلة .

 

ذكر الإمام أحمد عن صفية قالت : زلزلت المدينة على عهد عمر فقال : أيها الناس ، ما هذا ؟ ما أسرع ما أحدثتم . لئن عادت لا تجدوني فيها .

 

قال تعالى: " وما نرسل بالآيات إلا تخويفا" ، وقال تعالى: " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون "

 

قال مجاهد :  والعذاب الذي يكون من فوق هو الصيحة أو الحجارة والذي من تحت هو الرجفة والخسف

 

إن عقوبة الله إذا نزلت شملت الطيب والشرير ، والتقي والعاصي ، و الصالح والطالح ، والصغير والكبير سواء بسواء .

 

يقول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده ، فقلت يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : بلى ، قلت : كيف يصنع بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان ) اخرجه احمد

 

إننا بحاجة لتدبر ما يحصل من حولنا كل يوم ، بحاجة أن نعرف مدى ضعفنا وجهلنا وقصر معرفتنا وهوان أمرنا تجاه هذه العظائم من الكوارث التي يمكن أن تحصل من حولنا في لحظة واحدة ، فيموت الأحبة وتتهدم البيوت ، وتغرق الأموال ، وتفسد الآلات والمؤسسات ، وتتعطل الحياة ، وتصبح المدن قبورا كبيرة .

 

وأن نقارن ما يحصل جراء تلك الكوارث بما سيحصل للعالم يوم القيامة ، يوم تتزلزل الأرض بزلزالها الأعظم .. فيصير كل شىء ركاما ، وليس ثم منجى ولا ملجأ إلا إلى الله سبحانه ، وأن نطرح الأسئلة حول الإعداد لذلك اليوم !

 

 نتدبر كلام الله سبحانه ، وتحذيرات القرآن الكريم ، قراءة بتدبر إذ  قال سبحانه : " أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ "