بينما كان يتكلم ..كنت ابكي !
7 ربيع الأول 1439
د. خالد رُوشه

كثيرا ما تاثرنا بكلمات صادقة خرجت من قلب متحدث بليغ ، فلامست قلوبنا ، ووافقت اشياء طيبة في نفوسنا ، فوجدنا أعيننا تنهمر دموعا وبكاء ..

وبينما كان المتحدث الصادق الودود يحكي المواقف ويستدل على المعاني ويسوق الدلائل ، كنت اغرق في بحر لجي عميق من عتاب النفس ، ومراجعة الذات ، والعزم على عهد جديد مع الله سبحانه .

 

إنه الوعظ الناجح ، ذلك الذي يخاطب الوجدان والعقل معا ، وينادي الواقع والمفاهيم معا ، ويدعو إلى العمل والإيجابية ، وينهى عن القعود والسلبية .

 

إنها كلمات تعرف طريقها للقلوب ، تذكرهم بالخير , وتدعوهم إلى الاستقامة , تبشرهم وتنذرهم , ترغبهم في التوبة والعودة والإنابة إلى الله والمسارعة في الخيرات ،  قال سبحانه " ياايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين " .

 

إنها حالة من التفاعل الايجابي بين المتحدث والسامع ، حالة من المحبة والشفقة والرحمة والعطف والرفق تنتقل إليه من الواعظ ، حالة من التفاهم القلبي والوجداني تجعله يفتح قلبه له ..

إن ما خرج من القلب سيجد له طريقا إلى القلوب , وما اقتصر على كلمات اللسان فلن يجاوز الآذان , ولما سئل أحد الصالحين عن واعظ يعظ الناس طويلا ولا يؤثر فيهم وعن آخر يقل في موعظته لكنه يؤثر في الناس قال : ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة , فالأول مستأجر يؤدي دور ببرود , والثاني صادق ولو كان قليل الكلام

 

إنها اذن كلام طيب , لا سوء فيه ولا إساءة , فلا يصح فيها غيبة الناس ولا انتقاصهم , ولا يجوز فيها سوء الظن بهم , كما لايعتبر فيها الإساءة إلى العصاة الراغبين في التوبة والإنابة ولا ازدراء صاحب الغفلة , فإن الاستهانة بأهل الغفلة من رعونات النفوس ونقائصها .

كلم طيب قائم على الترغيب بأحسن الاساليب والطفها أو الترهيب بأكثرها تاثيرا مما يذكر بالله وعظمته ولاينفر عاصيا أو بعيدا , بل يقربهم ويؤويهم ويحببهم في العودة إلى سبيل الله المستقيم

 

والموعظة زينتها البلاغة وحسن اختيار الألفاظ , فلا موعظة بمهجور الكلمات , ولا بغريب الألفاظ , ولا موعظة بالكلام الركيك عديم القيمة , إنما الواعظ هو البليغ سهل اللفظ واضح البيان وإن قلت كلماته .

انها لا تقوم على الصراخ والعبوس والغضب , بل لكل حالة مقالها ، وربما تحصل حالات نادرة بالفعل تحتاج التفاعل والنذير ، لكنها نادرة قليلة ، إنما الاصل الهدوء والحكمة والروية .

والموعظة فن يحتاج الى مناسبة في الأداء ، فيجب أن يختار الواعظون أوقات وعظهم , ولا يكثرون منه فتمل قلوب الناس و وفي الصحيح من قول عبد الله بن مسعود " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا "

 

والموعظة بغير سيرة حسنة موعظة فاشلة ، والواعظ الذي لا يعمل بما ينصح واعظ ناقص ، فلا موعظة بغير قدوة , ولئن وعظ الواعظون بصالح الأخلاق بينما سلوكياتهم تناقض ذلك فإن مواعظهم لن تجاوز أفواههم ، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت : كان خلقه القرآن

 

يقول الغزالي رحمه الله :" وليس كل من ادعى العلم أو اعتلى المنابر اصبح واعظا , فالوعظ زكاة نصابها الاتعاظ , ومن لا نصاب له كيف يخرج الزكاة ؟ وفاقد النور كيف يستنير به ؟! ومتى يستقيم الظل والعود أعوج ؟! "