تقوى الله هي السبيل المستقيم الأوحد للحياة السعيدة ، في الدنيا والآخرة ، وهي الطريق المنير المتفرد تجاه التوفيق والسداد والنجاح .
وأمر الله بها الناس يجعل من معانيها كونها قرار صالح من قلب صالح ، وتوفيق مبارك من رب رحيم كريم .
والأتقياء هم النورانيون في هذه الحياة ، وهم خير ما سار على الأرض ، وأنقى البشر ، وارقى الخلق جميعا .
والتقي يسير في نور الله ، متسلحا بعبوديته لله ، ساعيا نحو رضوان الله ، مصاحبا لشرع الله ..
وهو المعنى ذاته الذي قاله أحدهم عن التقوى ، " أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله "
فترى التقي قاصدا هدفه الاسمى ، معرضا عن جواذب السبل ، مجتهدا في سعيه نحو المغفرة ، لايوقفه شىء ، ولا يمنعه عنها شىء .
" " عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس وده، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله"
وأهم ما يبتدىء به أي ناصح حول التقوى هو باب العقيدة في الله , فهي أول ما ينبغي أن يتفقده المؤمن إذا أراد ولوج باب التقوى , فالقلب السليم الذي هو مدار التقوى عماده الاساس نقاء العقيدة , والبعد عن الشبهات , والإيمان بصفات الله واسمائه , وأعمال القلوب التي اساسها الثقة بالله سبحانه واللجوء اليه .
وههنا بين يديك خطوات اساسية في سبيل التقوى قد توفر على الإنسان وقتا طويلا وبحثا مرهقا .
فالمرء إذا ذهبت به مدارات الحياة بعيدا عن التقوى استشعر فقدانا ما في قلبه , وتجويفا فارغا في صدره , لا يدري سببه ولا يفهم كيف يسده , فيبقى متقلبا بين وجهات مختلفات , يبحث فيها عن شفاء لعلته فلا يجد .
وأول ما يحتاجه أحدنا ، يحتاج أن يكون صادقا مع نفسه , واضحا بشأن حاله , وعليه أن يقرر بكل حزم , هل هو يحتاج إلى السير في سبيل التقى , أم إنه سعيد بحياته التافهة الهشة الفانية تلك التي يحياها باحثا عما يشتهيه مكتفيا بالقرب على استحياء من معاني الاستقامة ؟
فإن قرر السعي النوراني المخلص قربا من مرضات الله سبحانه , فليعلم أن لذلك تبعات ومسئوليات , أهمها تقديم محبات الله سبحانه ومرضاته على شأن الحياة وما فيها , والسعي بشكل تصاعدي نحو العبودية لله رب العالمين , والتطهر من كل ذنب مضى , والندم عليه , والعزم الأكيد على الإصلاح المستقبلي مستعينا في ذلك بالإخلاص لله والمتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم .
الدافع الذي يمكن أن يستعين به هذا الساعي نحو التقوى , ليخرجه من حال الركون إلى الدنيا إلى حال السعي للجاد للعبودية , هو الإيمان باليوم الآخر , ووضعه نصب عينيه , والعمل له , والاستعداد للموت والرحيل عن الحياة في وقت ما .
لا أقول أن يدع دنياه وينطوي أو ينزوي عنها بالكلية , بل يأخذ منها ما يصلح آخرته , من إصلاح فيها وإيجابية نحوها ونحو الناس من حوله فيما يرضي الله سبحانه ويكون عونا له في طريقه .
ثم يأتي دور المراجعة الذاتية للنفس , ومحاسبتها , والوقوف على مدى تقصيرها في جنب الله سبحانه , ومن ثم المسارعة الى التوبة النصوح والاستغفار المتكاثر المتتابع الملح , حتى يستشعر من نفسه أنه وضع قدمه على باب الطهارة القلبية , والنقاوة انفسية ..
عندها يلجأ إلى المناجاة بالدعاء والرجاء لربه الرحمن الرحيم سبحانه , معترفا صادقا مخلصا , يسأل ربه من كل خير , ويستعيذ به من كل سوء , ويتوكل عليه في كل شأنه , متبرئا من حوله وقوته إلى حول الله سبحانه وقوته .
إنها خطوات متداخلة , ومستمرة , ودائمة , ومتجددة , والمرء في كل خطوة يستطيع أن يرتقي في درجات تطبيقها أكثر فأكثر تبعا لمدى إخلاصه وصدقه وجديته نحو هدفه .
ولاشك أنه ستعترضه العوائق والعلائق , لكنه عندئذ يستعين بربه لجوئا ورجاء ودعاء .
فإن هبط به مسار الإيجابية في طريق الاستقامة ساعة فلا ينزعج , بل يسارع بالتوبة والاستغفار , ويحزم أمره , ويعود الى السبيل من جديد , فالإيمان يزيد وينقص , وللشيطان لمة وللملك لمة , فلينتهز لمة الملك ويستعيذ بالله من لمة الشيطان .
ذلك المؤمن الجاد سيجد قلبه بعدها يبتدىء بالاستشعار بلذة التقوى وأثر سريانها في عروقه , قال سبحانه :" والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " ... فيثبت على الخير الذي بلغه , ويسأل الله الزيادة , ويتعلم العلم الذي به يحافظ على صواب الأداء في العبودية , ويتخذ الخطوات التي بها يؤكد جديته في قرار التقوى ... فالصلاة نور , والصدقة برهان , والصبر ضياء , والقرآن حجة , والأخلاق شعار الإيمان , وذكر الله أكبر .