هنالك ضوء.. ولكن
8 شعبان 1439
أمير سعيد

دعونا نقول: ماذا لو؟!

ماذا لو كانت جميع مخططات أعداء الإسلام قد نجحت، أكنا سنجد حفاظاً لكتاب الله بالملايين؟ أكنا سنجد تمسكاً بالعقيدة الإسلامية لدى كثيرين جداً؟ أكنا سنجد تلك الممانعة التي يلقاها خصوم هذا الدين عند طائفة ليست قليلة من أهله تجعل من الضروري عليهم إبطاء حملاتهم على العقيدة والشعائر الإسلامية؟!

 

نعم، إن تلك الممانعة هي التي جعلت من هذه المخططات تتراجع وتتوقف أحياناً، وترتد على أعقابها أحياناً.. يكسبون أرضاً حيناً ثم يجدون أن سنة في مكان آخر قد أحييت، وشعيرة قد عادت، وزهرة قد تفتحت.

 

لفتني وسم جميل، أطلق منذ أيام باسم #هنالك_ضوء فاضت به أقلام عذبة، أنارت لنا طريقاً قد ظنناه كالح السواد..

بعضهم يذكرنا بانتشار الإسلام في رقعة من الأرض بعيدة في أقصى أمريكا الجنوبية، وآخر يلفتنا إلى تنام أعداد المستمسكات بحجابهن في زمان الغربة، وثالث يرينا صورة لمحاضرة لداعية عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقاطر إليها آلاف الشباب الأواب.

 

يستبد بأحدنا اليأس؛ فإذا ما طارت به الأشواق إلى مكة المكرمة، ووجدها وقد اكتظت بمئات آلاف الهائمين ببيت الله الحرام، يأتي إليه الناس أفواجاً من كل فج عميق، فلا يكاد يخلو بلد من وفده العظيم، اطمأنت نفسه، متأملاً في المقابل ذاك اليأس الذي يعتري أعداء هذا الدين حين يميتهم هذا المنظر الباهر كمداً ويذيب قلوبهم حرقاً وحسرة، إذ يشعرون كيف أن هذا الدين متين، وأن حبائلهم بعدُ لم تجد بغيتها كاملة ولما تصل مقاصدها الخبيثة.

كم كانت المساجد في البلقان، في الأناضول، في القوقاز، خاوية قبل عقود قليلة، وها هي الآن تشهد ازدهاراً وعمارة وانفتاحاً.. كم طمست من سنة، أحييت، وكم اندرست من شعيرة، عُظّمت.. يغترب الإسلام في بلد، لكنه يحضر في آخر.

 

مساجد تهدم، وحجاب يحارب، ورقابة تتشدد، وتعليم يغرب، وإعلام يعمّد.. صحيح، لكن أليس لكل فعل رد فعل، أوليست تلك البرامج والأنظار تتوجه والسهام تطلق لأنها ترصد أهدافاً لم تزل شامخة، وديناً لم يزل متوهجاً، فعمدوا إلى حيلهم المتلاحقة لإيقاف مسيرة تبطء كثيراً لكنها لا تتوقف أبداً.

 

﴿ يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾ إنه اليأس من حيث يظن أنه التفوق والعلو.. إنها أوهام السبق والنجاح.. ﴿ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ﴾.. إنهم يخوضون معركة خاسرة في النهاية.

 

المعركة خاسرة، يقيناً، رغم كل ما نراه من انهزام وتراجع وتقهقر، ذاك لأن مقومات نهوض أمتنا موجودة، وحظوظ انتصارها في النهاية عالية، وعلو قامتها محتوم. فمن يمسكّون بالقرآن الهادي لا ريب سينتصرون، فلا كتاب يمكن أن يسوق البرية لخيرها سواه، ولا منهاج يمكنه الصمود في كل ظرف غيره، ولا طريق لبناء الحضارة لا يمر عبر طريق الإيمان، ولا مفتاح لسعادة البشرية يعمل إلاه.

 

ندرك أن خصوم الإسلام يتبعون استراتيجية الصدمة والترويع، حتى يخال المرء أن إسلامه زائل، ودينه يحتضر: ترويع في الحرب، وصدمة في التغريب، وإجهاض لمشاريع النهوض.. لكن نعلم يقيناً أن مكر أولئك هو يبور.. يبور حين يتجدد الدين بأولئك الرواد المجددين، الذين يزيلون عن أعين عشت عن شريعة ربها غشاوتها، وينيرون للحائرين سبيلهم.

 

هنالك أمل، لكن حيث يكون مشروع ناهض بالأمة، وحين تعلو طليعتها عن السفاسف والتناحر وضيق الأفق، وحين تغير الأمة من نفسها، فتتبوأ مكانها الشاغر في صدارة الأمم، حيث لم تجسر أمة أخرى على احتلاله. هنالك أمل في غير ترديد الأماني، فليس إيماننا بالتمني ولا بالتحلي، لكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. والعمل يستدعي أن يضع أولو النهى خارطة الطريق، ويسير الخيرون حذو سلف الأمة بوعي اللحظة وعبء النهضة.. أما دون ذلك فهنالك وهم لا أمل.