منارات .. (6) لك أو عليك !
14 شعبان 1439
فهد السيف

كثيراً ما تكون أحاديثنا وحواراتنا ونصائحنا لشبابنا الصالحين نصائح تحثهم على الترقي في مدارج الكمال، وهذا مهم، إلا أن مما ينبغي العناية به إضافة إلى ذلك، تحذيرهم من عثرات الطريق، فإن المظهر الخارجي الذي يبدو لنا، والذي نظهره للناس عادة يكون أفضل ما فينا، أما دواخلنا، وأما خلواتنا، وأما حين نكون بعيدين عن تلك الأجواء الإيمانية، وحين نسترق النظر بأعيننا، فإننا بحاجة لكبح جماح أنفسنا وشهواتنا التي تتأجج.

 

إن الشاب الصالح يبقى صالحاً إن شاء الله، حتى وإن زلت به القدم، لكن الزلل لا يصح أن يُشَرَّع، وأن يكون ديدنا وعادة للإنسان، فإن كان كذلك فإن هذا الشاب قد يصح فيه أن يقال عنه أنه ممن (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)

 

ربما يضعف الشاب أمام شهوة ما، ثم يتوب ويندم ويؤوب، وربما تكرر منه الخطأ والذنب، فيكرر التوبة كلما تكرر الذنب، وهنا يبقى في دائرة الصالحين إن شاء الله، إن كان حريصاً على ترك المعاصي والمكروهات وفعل الواجبات والنوافل.

 

لكن أن يفعل الشاب الذنب مع سبق الإصرار والترصد، فيخطط، أو يوقع غيره معه في الذنب، أو يذهب إليه بقدميه، فيخطو الخطا، ويطرق باب المعصية، فيدخل مكانا ، وهو يعلم أنه ما جاء إليه إلا لفعل معصية، أو يذهب إلى مجلس يعلم أنه سيعصي الله فيه، مع مجموعة غير صالحة، وليست له مصلحة في ذلك المجلس إلا المعصية، فهنا يكون هذا الشاب قد تجاوز الخطوط الحمراء، وولغ في الحرام قاصداً.

 

أخي الشاب: أصلحك الله-أعلم أن الله تبارك وتعالى قد حباك نعمة القرب من الصالحين، وجعلك واحداً منهم، تستنشق عبق صلاحهم، وتفوح منك أنت سيماهم، فلا تجعل تلك الصفة وصمة عار فيك، واجعلهم عونا لك على الترقي في الهدى والاستزادة منه، وسل ربك الثبات على الهداية، وجاهد نفسك كل يوم لتكون أفضل منك أمس، وليكونوا وقودك في سيرك إلى الله، واحذر أن تكون صحبتك لهم، أو القرآن الذي ضممته في صدرك، أو مجالس الذكر التي حضرتها، أو العلوم التي تعلمتها، احذر أن تكون حجة عليك، وشاهداً على بلوغ العلم لك ولم تعمل به.

 

إن كلماتك شواهد لك أو عليك، وإن نصائحك ودموعك بين أصحابك، ونشاطك أمامهم، يجب أن يكون باطنك كما هو ظاهرك.

 

إني لا أريدك أن تعيش هَمَّ الوسواس في أعمالك، وهل يطابق ظاهرك باطنك أم لا، فإن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، والشيطان قريب منك إن كنت وحدك، وهو من الاثنين أبعد، لكني أوقفك على نفسك، فأنت أعرف بها، واختلاف ظاهرك عن باطنك، قد يكون له حدود مقبولة، ما دام الإنسان لم يتقصد انتهاك الحرام، أو ترك الواجب، ولم يتقصد الرياء بعمله، وما من شيء أشد على الإنسان من نيته التي تتقلب، فإنه ما دام يجاهدها، ويراعيها، ويتابعها، ويراقبها، فهو في خير، فإن أهملها نبت فيها الشوك والشقاق والنفاق.

 

* للاطلاع على منارات .. (5) ..
وقور ذو مروءة