السؤال
هل تجوزالعمليات الاستشهادية أو الفدائية تحت قيادة شرعية فى الحرب؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالعمليات الاستشهادية أعمال يقوم بها المجاهدون تودي في الغالب بحياتهم؛ وذلك بأن يربط على جسده حزاماً ناسفاً أو يضع في سيارته متفجرات، وغرضهم من ذلك النكاية في أعداء الله، وإرهابهم، وزرع الخوف في قلوبهم؛ ولمعرفة حكم هذه العمليات لا بد من بيان أمور قد تخفى على الناس في زماننا هذا، وهي: أولاً: أن الواجب الشرعي يحتم على المجاهدين المسلمين سؤال أهل العلم والنزول على رأيهم فيما يعرض لهم من حوادث؛ عملاً بقوله _تعالى_: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" والعلماء الذين هم في ميدان القتال أعرف بالواقع وأقدر على تنزيل نصوص الشرع عليه من غيرهم، وظننا بإخواننا المجاهدين في سبيل الله حقاً أنهم يصدرون فيما يأتون من أفعال عن فتاوى لأهل العلم الراسخين العارفين بمقاصد الشرع. ثانياً: أن دفع الكفار واجب وجهادهم متحتم؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة التي دلت عليها النصوص الشرعية كقول الله _تعالى_: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم". وقوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" . كما أن ترك دفعهم وجهادهم يترتب عليه من المفاسد ما نراه ماثلاً للعيان في منع المؤمنين من القيام بشعائر دينهم والتضييق عليهم، وإظهار الأحكام والقوانين المنافية للإسلام وزهد الآخرين في الدين حين يرون ما عليه أهله من الذلّة والمهانة؛ خاصة أننا نعيش في عالم لا يحترم إلا القوة والأقوياء ثالثاً: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد في العمل الذي يقوم به المجاهد ـ أياً كان ذلك العمل ـ فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو المطلوب، وإن لم يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب شيء من المفاسد فينظر في هذه الحالة إلى الراجح والغالب منهما؛ فإن كان الغالب المصلحة لم ينظر إلى المفسدة اللاحقة، وإن كان الغالب المفسدة لم ينظر إلى المصلحة، وهذه قاعدة مضطردة يقررها أهل العلم، وتتعدد الأمثلة الدالة عليها من سيرة النبي_صلى الله عليه وسلم_ وهديه. رابعاً: العمليات الاستشهادية الواردة في السؤال لا ينتظمها حكم واحد؛ بل هناك عمليات لا إشكال فيها، وهي التي يشتبك فيها المجاهد المسلم مع عدوه وهم كثير عددهم وقد غلب على ظنه الهلاك؛ لكنه يُقدِم على ذلك بقصد إلحاق الضرر بعدوه وبثِّ الرعب في نفوس مقاتليه وتجرئة المسلمين عليه، من جنس ما فعله عمير بن الحمام_رضي الله عنه_ يوم بدر والبراء بن مالك في قتال مسيلمة وأصحابه حين ألقاه المسلمون ليفتح لهم باب الحديقة التي سميت حديقة الموت، وبه أفتى أبو أيوب الأنصاري _رضي الله عنه_؛ كما في سنن أبي داود من حديث أسلم بن عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه، مه، لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد، قال القرطبي _رحمه الله_: والصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم؛ لأن فيه أربعة وجوه: الأول: طلب الشهادة، الثاني: وجود النكاية، الثالث: تجرئة المسلمين عليهم، الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنيع واحد فما ظنك بالجمع.أ.هـ ومن صورها التي لا خلاف عليها كذلك أن يبادر المجاهد العدو، أو يحمي إخوانه بنفسه، فيؤْثِر إخوانه بالحياة، وقد كان النبي_صلى الله عليه وسلم_ يُؤْثِرُ إخوانه على نفسه، فيبادر إلى لقاء العدّو دونهم؛ من جنس ما فعله_صلى الله عليه وسلم_ يوم حنين، حيث كان يركض ببغلته نحو العدو بعدما انكشف الناس، وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا عبد المطلب. خامساً: أما العمليات التي يتعرَّض فيها المجاهد للموت بسلاح نفسه؛ فالذي يظهر من الأدلة ـ والعلم عند الله تعالى ـ هو القول بجوازها بشروط معينة، ومن الأدلة على ذلك: ① ما ثبت في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع_رضي الله عنه_: على أي شيء بايعتم رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ يوم الحديبية؟ قال: على الموت. ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي في قصة أصحاب الأخدود، وفيها أن الغلام هو الذي دلَّ الملك على كيفية قتله رجاء أن يسلم الناس؛ فدل على ذلك على أن إيثار العطب على السلامة يكون محموداً لو كان فيه تحقيق مصلحة الدين. ③ أن هذه العمليات تتحقق بها ضرورة حفظ الدين مع فيها من إهلاك النفس، ولا شك أن حفظ الدين أهم من حفظ النفس. ④ أن هذه العمليات قد تتعين سبيلاً وحيداً للنكاية بالعدو، وقد قرر علماؤنا أنه يجوز في حال الضيق والاضطرار ما لا يجوز في حال السعة والاختيار؛ والمجاهدون المسلمون الآن في فلسطين والعراق والشيشان وفي أغلب بلاد الله لا يملكون ما يملك عدوهم من الطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها من الوسائل؛ خاصة وأن العدو حاله كما وصف ربنا" لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار"  وعليه يقال: إذا تضمن العمل الاستشهادي مصلحة للمسلمين وغلب على الظن تحقق النكاية بأعدائهم، ولم يكن فيه مفسدة تربو على المصلحة كأن تزيد ضراوة الكفار مثلاً ويشتد كَلَبُهم على المسلمين، وكان المجاهد قد أخلص لربه فيما يقوم به، ولم يوجد سبيل آخر تتحقق به النكاية فلا حرج في القيام بها، والمجاهد المقتول في تلك العمليات شهيد _إن شاء الله_، والله تعالى أعلم.