السؤال
ألقى أحد الدعاة عندنا درساً وأجاز فيه شد الرحال لقبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولآل البيت وقد قال إن شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء السعودية أخطؤوا في هذه المسألة، والصحيح جواز ذلك، واحتج بما يأتي:-<BR>1- أنه قد ورد الحديث الصحيح عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بزيارة القبور، فقال:"زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة". والحديث مطلق .<BR>2- جاء عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"<BR>وهذا الحديث مقيد للحديث السابق، وهذا النوع من الاستثناء يسمى عند أهل العربية بالاستثناء المفرغ لوجود النفي مع حذف المستثنى منه، لذلك فالمستثنى منه محذوف مقدر.<BR>فإذا ثبت هذا فإن المستثنى منه في الحديث المذكور آنفاً تقديره هو " البقعة" أي: "لا تشد الرحال إلى أي بقعة إلا المساجد الثلاثة."<BR>ولكن ورد حديث في المسند أن "أبا بصرة الغفاري لقي أبا هريرة وهو جاء من الطور فقال: من أين أقبلت قال من الطور صليت فيه قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إني سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" والحديث صحيح.<BR>ففهم الصحابة من هذا الحديث أنه لايحوز شد الرحال لمكان يصلى فيه مع الاعتقاد أن لهذا المكان بركة كما في الحديث"أقبلت من الطور صليت فيه" . فيكون هذا الحديث مخصصا للمستثنى المحذوف ذو التقدير العام إلى تقدير وهو" أي بقعة يراد منها الصلاة لبركة فيها".<BR>وذلك خلافاً لكلام ابن تيمية وعلماء السعودية الذين يمنعون شد الرحال إلى القبر، ومما سبق تبين أن من أراد شد الرحل للقبر من أجل الزيارة لا من أجل الصلاة فيؤجر على هذا، ولاشيء فيه.<BR>ولو قلنا بقولهم فأولاً: لا دليل عليه، وثانيا: فبناء على كلامهم فلا يجوز السفر-شد الرحل- لبلد بعينها من أجل السياحة، أو من أجل التجارة أو لمن أراد أن يرجع لموطنه ومسقط رأسه و غير ذلك.<BR>3- أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ زار قبر أمه وقال: "سألت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي" وقد سافر من أجل الزيارة لبعد القبر عن المدينة.<BR>4- كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يزور شهداء أحد الموجودين خارج المدينة.<BR>فأرجو الرد المفصل والشافي على هذه المسألة، أثابكم الله.<BR>
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيمكن الرد على ما جاء في السؤال من مغالطات بما يلي:
1 – أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ نهى – في الأحاديث الصحيحة – عن إعمال المطي وعن السفر إلا إلى المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
2 – أنه إذا لم يشرع السفر إلى المساجد وهي أحب البقاع إلى الله إلا ما استثني في الحديث فلأن يمنع السفر إلى غيرها على سبيل القربة أولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمساجد يؤمر بقصدها، ويسافر إلى بعضها، ويجب السفر إلى بعضها، فإذا كانت لا يشرع السفر منها إلى غير الثلاثة، فغير المساجد أولى أن لا يشرع السفر إليها، ولهذا لم يقل أحد من علماء الإسلام إنه يسافر إلى زيارة القبور ولا يسافر إلى المساجد..." قاعدة عظيمة ص 94 – 95.
3 – أن السفر للسياحة أو التجارة لا يدخل في النهي المفهوم من الحديث؛ لأن المقصود بالحديث سفر الطاعة الذي يراد به قصد البقعة تقرّباً إلى الله _تعالى_، فالسفر للسياحة أو التجارة يدخل في المباح في الأصل.
4 – أن زيارة النبي _صلى الله عليه وسلم_ قبر أمه لم تحصل بشد رحل وسفر إليها وإنما زار قبرها وهو في طريقه لما فتح مكة.. انظر الرد على الأخنائي ص 249.
5 – أن زيارة شهداء أحد الموجودين خارج المدينة لا يعد سفراً؛ لأن قبورهم قريبة منها، فالذهاب إلى قبورهم لا يعد سفراً.
6 – وبهذا يتبين أن قوله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تشد الرحال...." إلخ نهي يقتضي التحريم ولا مخصص له غير ما جاء في الحديث نفسه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم