وخَالِقِ الناسَ بِخُلُقٍ حَسَن
24 ذو القعدة 1428
د. خالد رُوشه

لا يمكن للمسلمين أن يسيروا خطوةً واحدةً باتجاه تحقيق أهدافهم إلا بشروطٍ موضوعيةٍ عليهم أن يعملوا بها، ويسيروا إليها، ويقدّموا التضحيات لبلوغها.. ولا بدّ أن يحققَ بناءُ المسلمين شرطين أساسيين:
الشرط الأول: قوّة لبناته ومتانتها.
الشرط الثاني: قوّة الروابط التي تربط بين هذه اللبنات.
أي أنّ قوة اللبنات، تساوي خمسين بالمئة من شروط صنع القوّة الحقيقية للبناء القويّ، فيما تساوي قوّة الروابط والعلاقات بين اللبنات .. الخمسين بالمئة الباقية من تلك الشروط، فلنتأمّل!..
إنّ قوّة اللبنات لا تتحقق إلا بالتربية العملية الصحيحة، فيما قوّة الروابط بينها لا تتحقق إلا بالترتيب المحكم مع التربية الحقة، وغني عن الذكر أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالتخطيط العلميّ السليم المواكب لروح العصر..
قوّة اللبنات وقوّة الروابط بينها تجعل البناء قوياً محكماً منيعاً: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضُهُ بعضاً) (متفق عليه)، وأي خللٍ في أي لبنةٍ أو رابطةٍ ستوهن البناء في الموضع الذي تشغله تلك اللبنة أو الرابطة، وكلما اشتدّ الخلل واتسع.. وَهَنَ البناءُ وتداعى، إلى أن ينهارَ كله دفعةً واحدة، أو يتماسكَ إلى حدٍ ما بالترقيع، فيكون بحكم البناء المنهار المتداعي، لكنه ينتصب خادعاً مَن ينظر إليه، وفي هذه الحالة هو أخطر على الأمة من البناء المنهار، الذي يستدعي إعادة بنائه من قبل الحريصين المخلصين، في الوقت المناسب!..
إنّ قوّة اللبنات لا تتحقق إلا بالتربية العملية الصحيحة، فيما قوّة الروابط بينها لا تتحقق إلا بالترتيب المحكم مع التربية الحقة، وغني عن الذكر أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالتخطيط العلميّ السليم المواكب لروح العصر..
الإنسان المسلم هو اللبنة في بناء المسلمين وأمّتهم.. وبناؤه بناءً جيداً صحياً سليماً.. سيؤدي إلى قطع نصف الشوط لقيام بناءٍ قويٍ متكامل، وعماد بناء الإنسان المسلم هو (الأخلاق) الإسلامية الحسنة.. فحُسن الخُلُق، هو الأساس الذي يؤدي إلى لبنةٍ سليمةٍ قويةٍ متينة.. والأساس لتحقيق الشرط الثاني من شروط البناء القويّ المتماسك المتراصّ، ذلك الشرط هو (كما ذكرنا آنفاً): (قوّة الروابط بين اللبنات)، أي بمعنىً آخر: تحقيق قوّة العلاقات والروابط بين الإنسان المسلم وأخيه المسلم الآخر ضمن النسيج الاجتماعي للأمة المسلمة!..
لذلك لا بد لنا أن نذكِّرَ ببعض معالم (حُسن الخُلُق)، الذي يجب أن يتحلّى به كل فردٍ منا، ليكون عند حسن ظنّ إخوانه به، وعند حسن ظن أمّته به كذلك!..
يقول سبحانه وتعالى في محكم التنـزيل:
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34و35)
تدبّروا في الآيتين السابقتين جيداً، لتستمتعوا بعظمتهما وعظمة كلمات الله عز وجل!.. فما يُستنتج من قول الله العظيم هو:
1- أمرٌ بالصبر عند الغضب، وبالعفو عند الإساءة (كما يقول ابن عباس رضي الله عنه).
2- أحسِن إلى مَن أساء إليك.
3- خالِف نفسك، إن أمَرَتْك بما يتعارض مع حُسن الخلق الذي يجب أن تكونَ عليه.
مَن يستطع أن يقومَ بذلك؟!.. إنهم بلا شك المتّقون، الذين يتمتّعون بأعلى درجات حُسن الخُلُق، إنهم المحسِنون كذلك، الذين يعملون بموجب الآية الكريمة:
(.. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: من الآية 134).
إنهم الذين يتخلّقون بالإحسان، ويقابلون إخوانهم بالعفو والرحمة!..
يقول أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلُقاً) (متفق عليه).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتّقِ اللهَ حيثما كنت، وأتْبِع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ الناسَ بِخُلُقٍ حَسَن) (الترمذي).
فبقدر ما يمتلك الإنسان من الطبع الراقي والسجايا العالية والصفات الحميدة.. فإنه يقترب من درجات حُسن الخُلُق الجيدة في أعماله وأفعاله..
بعد هذا.. هل يمكن لنا أن نُعرّف (الخُلُق)؟!..
الخُلُقُ هو: (الطبع أو السجيّة، ومجموعة المعاني والصفات المستقرّة في النفس الإنسانية، التي تَصدر عنها الأفعال والأعمال).
فبقدر ما يمتلك الإنسان من الطبع الراقي والسجايا العالية والصفات الحميدة.. فإنه يقترب من درجات حُسن الخُلُق الجيدة في أعماله وأفعاله.. وكلما كثرت أعماله وأفعاله التي تعبّر عن حُسن الخُلُق.. كان مؤهّلاً ليكون لبنةً صالحةً متينةً في بناء المسلمين، فيتقوّى البناء به، ويتمتّن، ويحقق خطوةً إضافيةً باتجاه الهدف السامي العظيم!.. وهذه الحقيقة تبيّن لنا بوضوح: كم هي ثقيلة الأمانة التي يحملها كل منا من أجل إنجاح مشروعات أمّته وتحقيق أهدافها العظيمة، ودعم صمودها وصمود أبنائها.. فلنتأمّل!..
أولاً: حُسن الخُلُق .. لماذا؟!..
1- لأنه يمثّل الشق العمليّ لفكرنا الإسلاميّ ولعقيدتنا الإسلامية:
فأنت عندما تكون مؤمناً حقاً، ولديك الفكر الإيمانيّ الإسلاميّ الصحيح.. فلا بد أن يكونَ خُلُقكَ حسناً في علاقاتك العملية مع الناس، وإلا فابحث عن الخلل في نفسك، لتقويمه!.. ونوضّح ذلك بالمثال التالي: