الضعف العلمي والثقافي لطلاب الكليات الشرعية... الأسباب والحلول
24 ذو القعدة 1428
علي الشايب

العلم الشرعي علم الكتاب والسنة، وماكان وسيلة لفهمهما، أفضل ماتنفق في طلبه نفائس الأوقات، وأجدر أن تشد في تحصليه طِوال الرَّحلات، ولا يعدله شيء إذا صلحت النيات، عظيم أثره، جليل قدره، باسقة شجرته، وارفة ظلاله، يانعة ثمرته، طلبه لله عبادة، ومذاكرته تسبيح، أهله هم أهل الخشية والإنابة: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ورّاث النبي الكريم، الموقِّعون عن ربِّ العالمين .
وقد كان تلقي العلم في الزَّمن السابق عن طريق مجالسة العلماء وثني الركب أمامهم، فظهرت بركةُ تلك المجالس بظهور علماءََ كبارٍ وأئمَّة عظام، في مراحل التاريخ المختلفة، ثم استجدَّت هذه الأنظمة الحديثة في التعليم النظامي في المدارس والجامعات والمعاهد، وصاحبتها بعضُ الإشكالات، وارتبطت كثيرٌ من أمور الناس بها، وأصبحت شرطاً لمن يُريد أن يعمل في مجال التدريس وغيره من الوظائف العلمية، وميزاناً يُميِّز بين الناس في الفضل والعلم والتقديم والتأخير، فصاحب اللقب العلمي هو المقدم وإن لم يكن وراء اللقب شيئا، وربما أُخِّر العالم الربَّانيُّ لأنه لايحمل هذه الشهادة .
عدم اكتشاف الذات، والضعف في تحديد الرغبات، خطأ يشترك فيه المربون ودور التعليم والطالب نفسه، ومن ثم تراه يتخبط
والمرحلة الجامعية للدارس والمدرس لها أهمية كبيرة، وخطورة بالغة، لأنها قطب رحى الدراسة النظامية، فهي تتزامن مع باكورة الشباب، واكتمال القوة والفتوة، وهي فترة ذهبية في عمر الشاب يجتمع فيها الاستعداد العقلي والفطري للتلقِّي وطلب العلم والمعرفة، فتجاوُزها بنجاح يُعتبر مرحلة حاسمة،في مستقبل الشاب، ثم تعقبها مرحلة التأهل لتحمّل المسؤوليات الاجتماعية والتربوية والتعليمية وغيرها، وقد كانت الجامعات في بداية نشأتها تخرج طلابا أقوياء في العلم والفهم وبناء الملكات، ثم بدأ الضَّعف والتدني في مستوى التحصيل العلمي، لدى طلاب الكليات الشرعية خاصة والمرحلة الجامعية بصفة عامة، ، ولا شك أن لهذه الظاهرة أسباباً ظاهرة عامة وأسبابا خاصة، فمن الأسباب العامة:
*عدم تحديد الهدف أو غموضه، عند كثير من الملتحقين بالجامعات، وإذا غاب الهدف العام عن أي عمل أو مشروع، فغياب الأهداف المتفرعة عنه التي توصل إلى تحقيق الهدف العام أولى، فيدخل الطالب الجامعة، وهو لا يدري ماذا يريد أن يكون! أو لأي مستوى من المعرفة يصل خلال هذه السنوات الأربع،أو الخمس! وقد يحدد هدفاً لكنه ضعيف لا يحقق كبير فائدة.
*فساد النية عند البعض، فيطلب العلم لينال به عرضا من الدنيا، أو ليشار إليه بالبنان، وتخلع عليه الألقاب المحدثة (دكتور وبروفيسور) فيُحرم العلم أو بركته، وهذا في الحقيقة أخطر الأسباب؛ فإن طلب العلم الشرعي عبادة عظيمة، وكلُّ عبادة يُشترط لصحتها وحصول ثمرتها حسنُ المقصد وسلامة النية من الشوائب والدُّخولات الفاسدة.
*عدم اكتشاف الذات، والضعف في تحديد الرغبات، وهو خطأ يشترك فيه المربون ودور التعليم والطالب نفسه، ومن ثم تراه يتخبط في اختياره للمجال أو الكلية التي سيلتحق بها، وربما امتحن للشهادة الثانوية وهو لم يحدد المجال، وبعد تردد وإحجام وإقدام يلتحق بأحد التخصصات المتاحة، وقد يؤدي ذلك إلى أن يصاب بالملل من الدراسة، لأنه اختار مجالاً لا يرغبه ولا تميل إليه نفسه ولا يُحسنه كذلك ؛ إما مجاملةً لصديق أو تأثر بوالده فمشى على تخصصه، أو استشار من يثق فيه فأشار إليه، أو غير ذلك، وليس هذا ضرباً من الخيال الذي لا حقيقة له، بل هو واقعٌ مشاهد، ولذلك تجد هذا الصنف من الطلاب -وهم عدد غير قليل- بعد التخرج، يترك مجال دراسته ويعمل في مجال لا صلة له به، كأن المرحلة الجامعيَّة أصبحت ظاهرة اجتماعيَّة ومرحلة لابد من تجاوزها بأيِّ شكلٍ كان.
ومهما قيل عن إيجابيَّات الدراسة النظامية في الكليات الشرعية ومناهجها، -ولاشك أنَّ لها إيجابيات كثيرة- إلا أن لها سلبيات وإشكالات كبيرة، من ناحية التأصيل العلمي والتدرج في الطلب
*الهزيمة النفسية والنظرة السلبية للعلوم الشرعية عند البعض، فلا يدخل كلية الشريعة مثلا إلا إذا تأخَّرت به درجته عن اللَّحاق بركب الأطباء والمهندسين والاقتصاديين والإداريين، فيلتحق بالكلية الشرعية ليكمل بها نقصاً وليتجاوزَ هذه المرحلة.
*قلة النظام والفوضى التي يعيشها كثير من الطلاب في حياته العلمية والعملية، فليست له منهجية معينة يسير عليها في ضبط وقته وتنظيمه ولا في دراسته وتحصيله، تجده يتخبط يوماً مشرِّقاً ويوما مغرِّباً، وأحيانا يقرأ في كتاب في الفقه، وبعده في الحديث أو التفسير، وكذلك في حضور الدروس العلمية، من غير منهجية مرسومة أو خطة واضحة مدروسة، فيخرج بمعلومات مبتورة مشتَّتة لا يربطها رابط ولا ينظمها سلك ضابط.