إشكالية الخلاف بين الدعاة .. رؤية للحل .. ودعوة للاستجابة
24 ذو القعدة 1428
د. خالد رُوشه

يجد المرء نفسه أمام قضية كثيرة الشعاب متعددة الأضرار عندما يتأمل في ذاك الخلاف الحادث والمتوالد دوما بين فئام من الدعاة إلى الله
إن أكثر ما يؤلم المرء هو منظر المتخاصمين , ويزيد الألم _ أضعافا _ حينما يكونون في صف الدعاة إلى الله ..
وأكثر ما يجرح القلب هو التقاطع والتدابر الحاصل بين المسلمين في كل قطر وكل مدينة , ويزيد القلب جراحا إذا كان في صف الذين يعدهم الناس دعاة إلى الله !!
لقد بلغ الخلاف ببعض الدعاة أن سُلطوا على بعضهم فانتقد بعضهم بعضا حتى جرحه في خصوصياته واستغل أصحاب نوايا السوء خلافهم وراحوا يستفتون بعضهم في بعض ويستكتبون بعضهم ضد بعض حتى تلاشت الثقة بينهم ونشبت معارك معلنة وخفية , وجرأوا السفهاء عليهم وأغروا بهم أعداء الإسلام ..
ثم هانحن نجد من الشباب من قد انخرط في عشرات الجماعات التي تتكاثر يوما بعد يوم فيكفرون ويبدعون غيرهم بل وصل حالهم إلى أن بدعوا وكفروا دعاة وعلماء قد نذروا حياتهم كلها للدعوة إلى الله ولهم تاريخ ناصع البياض في العمل الإسلامي , ولو قرأت كلام هؤلاء الشباب في أولئك الدعاة والعلماء المختلفين معهم لظننت أنهم يتحدثون عن أعداء الديانة وأتباع الشياطين !!
إننا بحاجة ملحة إلى وسطاء علماء عقلاء حكماء عادلين يقومون بدور الوساطة بين المختلفين والمتخاصمين من الدعاة في كل مكان على حدة
إن الأوامر الشرعية في كتاب الله سبحانه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لتدعونا في كل وقت وحين إلى الاعتصام ولم الشمل وإصلاح ذات البين ونبذ الخلافات والتعاون على البر والتقوى والتأدب مع الدعاة والعلماء .
يقول الله سبحانه : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " , قال البغوي في تفسيرها : أي : اتقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة والمخالفة , أصلحوا ما بينكم وبين إخوانكم ، فما يكون لديكم تقاطع ، ولا تدابر ولابغضاء ، ولا شحناء ، ولاخصومات ..
وذات البين هي النفس التي بين جنبيك , وإصلاحها تنقيتها من شوائبها وأمراضها , لأن سبب النزاعات والخصومات هي تلك النفس وأمراضها من حب الذات والأثرة والعجب والكبر وحب الرفعة أمام الناس وحب العلو في الدنيا وغيرها .. فكأن الآية في مضمونها توجه نحو إصلاح النفس من أمراضها وما يترتب على ذلك من إصلاح بين النفوس جميعا ..
قال البيهقي : قال ابن المبارك : كتب ميمون بن مهران إلى يونس بن عبيد أني أحب أن تكتب إلى بما أنت عليه لأكون عليه , فكتب إليه يونس إني جهدت بنفسي أن تحب للناس ما تحب لها ( نفسه ) وتكره لهم ما تكره لها , فإذا هي من ذلك بعيدة , وإذا الصوم في اليوم الحار الشديد حره أيسر عليها من ترك ذكر الناس , قال الحليمي ولا ينبغي لمسلم أن يتمني بقلبه لأخيه من الشر ما يكره لنفسه أو يكره له من الخير ما يتمناه ويحيه لنفسه وإذا عرضت بجماعة المسلمين بليه فلا ينبغي لأحد منهم أن يتسبب إلى الخلاص بإيلام الأخرين والإغراء بهم بل ينظر إليهم كما ينظر لنفسه , فإن عجز نظر لنفسه من حيث لا يضرهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي عضو منه تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر في بيت رجل إلا بإذنه وإن نظر فقد دخل ولا يؤم قوما فيخص نفسه بدعاء دونهم فمن فعل فقد خانهم.
ولاشك أن الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف بين الناس – ومنهم الدعاة والعلماء – أمر طبيعي , يعتمد على رؤية كل أحد ونظرته للأمور , إلا أن القضية الفجة التي نتحدث فيها لا تتعلق بمجرد خلاف نظيف طاهر بل قد تعدت ذلك إلى أنواع من الأثرة والتعصب واللامبالاة بمصالح الأمة , ولا أبالغ إذا قلت أنها قد تعدت في بعض الأحيان ذلك إلى إهمال الأوامر الشرعية الصريحة والقاطعة بحجج واهية هي في ذاتها عبارة عن مصالح ذاتية لفرد أو جماعة , لقد روى البخاري في كتاب المناقب عن أبي هريرة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا , فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " أخرجه البخاري , أما يكفي المتخاصمين مثل هذا الحديث ؟! إني أظن أن القلوب لو طهرت وتلقت توجيهات نبيها وآيات ربها بشفافية ونقاء لانتهت _ بمثل هذا الحديث وغيره من الأحاديث الكثيرة _ عما تفعل .