18 ربيع الثاني 1427

السؤال

أدرس في الجامعة، تخصص إدارة أعمال، اخترت هذا القسم لإعجاب الجميع به، وقولهم بأنه أفضل الأقسام المستقبلية دخلته، والآن لم أستطع الإكمال، أشعر بضيق شديد حين أستيقظ من النوم أبكي ولا أريد الذهاب إلى الجامعة ؛ أمي تضايقت من أجلي، وقالت: لا تذهبي واختاري القسم الذي تريدينه وتستطيعين الإكمال فيه، أنا الآن محتارة، أفكر أن أدخل في الجامعة العربية المفتوحة تخصص حاسب، لكن أخاف المغامرة .<BR>استشرت الكثير واستخرت، لكن لم ينشرح صدري بعد.. انصحوني.<BR>

أجاب عنها:
د. محمد العتيق

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وردني سؤالك وما وصفت من بعض الأعراض النفسية التي ترين أنها جاءت بعد دخولك الجامعة واختيارك لتخصص ( إدارة أعمال) بناء على نصيحة البعض من حولك . فأولاً أسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير، وأن ييسر لك سبل العلم والعمل بما يحقق لك أهدافك ويحفظ عليك دينك . لكن من المهم هنا أن نتأكد من عدة أمور : مثل : هل الأعراض التي تعانين منها الآن هي أعراض لمشكلة نفسية تحتاج معالجة أم أنها أعراض عابرة تزول خلال وقت قصير؟ وهل سبق أن أصبت بمثل تلك الأعراض ؟ وهل تلك الأعراض هي بسبب التخصص الذي اخترتي الدخول فيه؟ أم أنها بسبب الدراسة الجامعية بشكل عام ؟ أم أنها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالدراسة الجامعية - مثل الجوانب الاجتماعية أو غيرها - ولكن يبدو لك الأمر على غير حقيقته ؟ ما نمط شخصيتك ؟ هل أنت من النوع الذي يعاني عند اتخاذ القرارات ويتردد فيها كثيراً؟ وهل تشعرين غالباً ببعض اللوم لنفسك أو لغيرك عند اتخاذ قرار في أي أمر كان ؟ وهل ترين أنك ممن يتأثر بآراء الآخرين، ويقتنع فيها بسهولة ؟ كيف هي جوانب حياتك الأخرى : هل أنت ناجحة في علاقاتك الشخصية ؟ في وظائفك المنزلية ؟ في تنمية مهاراتك وجوانبك الشخصية الأخرى ؟ كيف كانت دراستك الثانوية ؟ هل مرت فيها بعض المعاناة المشابهة لما يحصل معك الآن؟ إن إجابتي لك كي تكون مفيدة وعملية تحتاج إلى الإجابة عن تلك التساؤلات السابقة ولو بشكل عام. ولكن على أية حال ، يمكنني أن ألخص الإجابة فيما يلي : الأعراض النفسية لم تذكري من الأعراض النفسية إلا ما يلي : التضايق الشديد ، عدم القدرة أو الرغبة في الذهاب إلى الجامعة . وهذه الأعراض أرى أنها أعراض عابرة لا تدل على أن هناك مشكلة نفسية، ولهذا فأرى أن تقدري الأمور بقدرها وتضعيها في حجمها الحقيقي، وأن تعدي أن تلك أعراض عابرة تزول قريباً _إن شاء الله_ ولكن لا يعني هذا إهمالها أو تركها دون تدخل، وهذا ما سأقوله في النقطة التالية . ما السبب ؟ إن السبب ليس بالضرورة أن يكون له ارتباط بالتخصص الذي اخترته، فربما كان متعلقاً بالدراسة الجامعية بشكل عام . فإن الحياة الجامعية تعد مرحلة مختلفة تماماً عن المرحلة الثانوية ولها ظروفها وطريقتها، ولذا فهي تعد نقلة في حياة الطالب أو الطالبة وتحتاج إلى نوع من التغيير النفسي والاجتماعي حتى يتعود عليها ويتأقلم معها. وربما يصعب ذلك في بداية الأمر على بعض الناس فيعانون من بعض المشكلات النفسية كما عانيت أنتِ . وهذه الخصوصية للمرحلة الجامعية ليست مرتبطة بالدراسة الجامعية نفسها فحسب ولكن بالنمو والتطور العقلي والذهني الذي يصل إليه الإنسان في تلك المرحلة العمرية، حيث تتحدد ملامح الشخصية أكثر ويتسع الأفق وتزيد مساحة الإدراك وما إلى ذلك . وإذا كانت المشكلة متعلقة فعلاً بالتخصص الذي دخلته وأن التفسير لما حصل لك إنما هو نوع من الندم والتحسر على اختيار هذا التخصص دون غيره، وأنك لم تعودي راغبة في الاستمرار فيه ، فلا يعني هذا نهاية الدنيا ، بل هناك فرصة للتصحيح والبدء في التخصص الذي يناسبك والاستمرار فيه حتى تتخرجين بنجاح وتفوق _إن شاء الله_ . ولكن قبل ذلك وقبل الشروع في البحث عن وسيلة لتغيير التخصص لابد لك أن تحددي بالضبط ماذا تريدين ؟ ما الاختيار الذي هو أنسب لك ؟ إن هذا أمر مهم جداً.. كيف يمكن أن تعرفي التخصص المناسب لك؟ لا أحد يعرف احتياجاتك وقدراتك وآمالك وطموحاتك مثل نفسك . ولهذا يجب أن يعود القرار في النهاية في اختيار التخصص لك أنت وليس لأحد آخر . نعم يمكن الاستفادة من الآخرين ومشاورتهم ولكن ليس الموافقة على كل ما يقولونه من دون تفكير . لابد أن تعرفي أولا قدراتك الذهنية والعقلية، ويتبين ذلك من خلال تفوقك في بعض المواد دون بعض في المراحل الدراسية السابقة، وهذا يعطيك فكرة عن مدى قدرتك على إنهاء التخصص بنجاح . ثم تعرفي على إيجابية التخصص وسلبياته في عدة أمور، مثل : مدة الدراسة – التكاليف المادية – المستقبل الوظيفي – إمكانية الدراسات العليا – وسيلة الوصول للكلية أو الجامعة – مدة الدوام اليومي – الراتب المتوقع للوظيفة بهذا التخصص وما إلى ذلك . فبعد أن تجمعي المعلومات اللازمة وبعد أن تستشيري وتستخيري ، تصلين إلى قرار _إن شاء الله_ هو أقرب للصواب . ولا يعني هذا أن قرارك سيكون صواباً مئة في المئة، ولكنك حينها تكونين قد بذلت جهدك ويبقى التوفيق بيد الله _تعالى_ ، وعلى أية حال فأنت إن بذلت الجهد اللازم فلن تبتعدي كثيراً عن الاختيار الصائب وعليك حينها أن تقبلي بقرارك وأن تتعايشي معه وتجنبي أن تعودي إلى التفكير في الموضوع مرة أخرى، فهذا يشغل ذهنك ويقعدك عن العمل ولا يؤدي إلى نتيجة، كما عليك أن لا تستمعي كثيراً لآراء الناس أو انتقاداتهم بعد أن تكوني قد حسمت أمرك طالما أنك بنيت قرارك على أرضية صلبة واقتنتعت فيه إلى حد كبير . ربما يكون السبب الحقيق لما تمرين به من معاناة ليس متعلقاً لا بالتخصص ولا بالحياة الجامعية، وإنما هو لأسباب أخرى كالمشكلات الاجتماعية أو غيرها، وهنا لابد من الوصول إلى أصل المشكلة ومعالجتها، وهذا أمر يحتاج إلى معلومات إضافية لم ترد في سؤالك . وفقنا الله وإياك لمـا يحب ويرضى .