21 رجب 1427

السؤال

س/ منذ صغري وأنا في حلقة تحفيظ القران الكريم وقبل سنتين تركت العمل الطلابي وعملت في جمعية البر الخيرية، ولكن لم يهنأ لي بال فدائم ذهني شارد أفكر في الحلقة وبرامجها وطلابها، وأنا في عملي في الجمعية، فهل أستمر في العمل بالجمعية أم أنتقل إلى العمل الطلابي ؟؟

أجاب عنها:
فهد السيف

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فإن من حسنات حلقات التحفيظ أنها تخرج أمثالك إلى المجتمع ليخدمه، وما هذه إلا نقطة في بحر حسناتها, وحفاظ القرآن الذين تربوا على هديه هم أولى الناس بالتصدي للمجتمع رعاية وإعانة. وأما سؤالك فإن الإجابة تختلف من شخص لآخر، ولا يخضع لمعايير ثابتة يمكن من خلالها الحكم على الجميع بجواب واحد. ذلك أن كلا الأمرين خير وبر –والحمد لله- وكل من يعمل في خدمة الإسلام فهو على ثغر، نسأل الله تعالى أن يرزق الجميع الإخلاص والقبول وحسن العمل. فإن أردت حالتك الخاصة أنت، فإن أولى من يجيب على هذا السؤال أحد شخصين: إما أنت، وإما أحد من تثق فيهم ممن تعرفهم ويعرفونك. وحكمك على نفسك يخضع لمصلحتين: مصلحتك أنت ومصلحة المجتمع والأمة. فانظر أولا: لمصلحتك أنت وأين فائدتك ومنفعتك الخاصة؟ وأين سيكون عملك أجود أداءً؟ وانظر ثانيا: لمصلحة أمتك، أين تحتاجك؟ وأي الثغرتين أولى بأن تسدها وهي محتاجة إليك. ولتكن نظرتك منصفة بعيدة عن عواطفك وما تحب لنفسك. ولك أن تأتي بورقة وقلم ثم تكتب الفوائد والمصالح والمفاسد في كلا الحالتين لتظهر لك الصورة جلية، وهذه الطريقة مجربة ونافعة –بإذن الله- وسيخرج لك الرأي جلياً من حيث لا تحتسب. وإن رغبت –وهذا جيد- أن تستشير ثقة عارفا بك، فليكن محايدا غير منحاز لإحدى الفكرتين دون النظر في المصلحة. ثم ينبغي لك أن ترجع بذاكرتك إلى الوراء قليلاً لتعرف سبب انتقالك إلى العمل الخيري بدل العمل والتعليم في الحلقات، وتأمل جيداً في هذا السبب. فإن كان بناءً على إشارة من أحد الأشخاص فليكن أحد مستشاريك في هذه القضية، ليوضح لك سبب رغبته في انتقالك، ولا تكن عودتك اجتهادا شخصيا بحتا. وإن كان سببا آخر: فتأمله أيضا جيداً. ولا أنسى أن أحذرك من أن تكون من الذين يملون من أعمالهم بسرعة بسبب فوضويتهم في حياتهم وعدم ترتيب أولوياتهم، فتراه اليوم يعمل جمعية البر وغدا في جمعية التحفيظ وبعد غد في الحلقات، ثم في نشاط آخر وهكذا، فلا يكاد يبني جدارا حتى يذره دون أن يكتمل ويمضي إلى جدار آخر، فتجد جدرانه لم تكتمل. واعلم أن –بمشيئة الله- سوف تسلو مع الزمن، وترى في إنتاجيتك في جمعية البر ما يجعلك تتمسك بها إن كنت جادا في عملك راغبا في تطوير نفسك وأدائك. أيضا: فإن زملاءك وأحبابك في الحلقات عما قريب سيتفرقون، وكل سيتسنم عملا ينفع الله به -إن شاء الله- الحلقة أو حلقات أخرى أو عمل آخر، ولن يبقوا لك، وأما عملك في الجمعية فهو باق وأصحابك فيه –في الغالب- باقون. ثم إن الماضي كثيرا ما يكون محبوبا، لا لشيء إلا أنه مجرد ماض، وأيام الصبا دائما تكون مشوقة حتى لو كانت في الحقيقة نكدا، ولعلك إن تركت عملك في الجمعية اشتقت له هو الآخر. في جمعية البر حاول إيجاد جو شبيه بجوك السابق، فاقترح على العاملين في الجمعية نزهات أخوية بعيدة عن جو العمل الصاخب، فإن من شأن ذلك أن تصفو النفوس وتتقارب الأرواح، وهذه فكرة إدارية ممتازة، حتى لو كانت شهرية. وأيضا يمكنك خلق جو شبيه بعملك السابق عن طريق التقرب إلى أطفال وأبناء الفقراء الذين تربطك بهم علاقة جمعية البر، وإخراجهم في نزهات خلوية لإدخال السرور على قلوبهم، فإن في هذا من الأجر والثواب الشيء الكثير. وقبل الختام فيمكنك التخفيف من وطأة الشوق إلى ماضيك بزيارة تلك الحلقات ممن تربطك بهم معرفة بعد التنسيق مع مشرفيها لئلا تكون سببا في بعثرة برنامجهم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين