السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..<BR>أنا فتاة أبلغ من العمر20سنة، وتقدم لي رجل متزوج وله ثلاث بنات وعمره 42سنة، ولكنه والحمد لله رجل حاج وأخلاقه الحمد لله جيدة، إضافة إلى أنه من نفس عشيرتي, لكن أهلي غير موافقين (أمي وأخي).<BR>سؤالي: هل لي الحق في أن أقف في وجههم وأن أصر على الزواج؟ وهل يعد عقوقاً؟<BR>أرجو الرد والنصح.
الجواب
بداية أحييك أختي نور على طلبك المشورة، وهذا إن دل فهو يدل على وعيك واستعدادك لتقبل النصيحة، وإن شاء الله الأخذ بها، ولا ندّعي العلم المطلق، ولكن ربما ستجدين فيما نكتبه لك بعض الأفكار الإيجابية التي قد تساعدك في اتخاذ القرار الأخير والصحيح _بإذن الله_. ذكرت في رسالتك أنك فتاة في العشرين، أي أنك في مقتبل العمر، وأن الرجل المتقدم للزواج بك يبلغ من العمر 42 عاماً، أي أنه يكبرك بكثير، بل هو ضعف عمرك ويزيد... ليس في زواج الرجل الكبير من الشابة الصغيرة ما يعيب مادام هو مؤهل بباءة الزواج وأعبائه المالية والجسدية والنفسية, ولكن الرجل الذي تتحدثين عنه أيضا لديه مسؤوليات أخرى فهو عنده أولاد أيضا وله زوجة أخرى... وما يظهر من رسالتك أنه يريد الزواج بك كزوجة ثانية، ولاشك أيضا في حل الزواج الثاني وجوازه في دين الله سبحانه و لكن السؤال ههنا هل أنت لديك القدرة على مباشرة هذه الحياة بهذا الشكل وبهذا الفارق الكبير في العمر مع ما يمكنه أن يجلب من مشكلات قد تكثر؟ وهل تستطيعين ممارسة حياتك ومسؤولياتك الجديدة بصورة مرضية؟ دائماً في مثل تلك الاستفسارات يكون لولي المرأة نظرة بصيرة ويكون لأسرتها رؤية أكثر نضجا وخبرة. وموافقة الأهل برأيي هي النقطة الأهم في استشارتك، خاصة وأنك تذكرين في رسالتك أن مشروع الزواج هذا لا يحظى بموافقة أمك ولا أخيك، وكنت أتمنى لو أنك ذكرت الأسباب التي دفعتهم لعدم قبول هذا الزواج، ووجهة نظرهم حوله.. كنّا لنعرف بعض ما يحيط بالموضوع بشكل أكبر، فتكون نصيحتنا لك محددة. ورغم عدم معرفتنا بذلك لكن دعيني أخبرك بأن الأم التي اعتركتها السنون هي أخبر منك بالحياة، وأقدر منك على النظر إليها ليس من زاوية واحدة، وإنما من مختلف الزوايا..فكيف وقد اجتمع مع رأيها رأي أخيك؟ ألا يدعوك هذا الأمر للتروي فيما أنت مقدمة عليه، وربما دعاك للتفكير جدياً ومنطقياً بأسباب رفضهما له؟ ولعلك بسؤالك عن حقك في الوقوف بوجههما، تؤكدين لنا أنك تدركين أن ذلك يقع في باب العقوق بحق الوالدة على الأقل، ولولا معرفتك بذلك لما خشيت أن يكون ذلك عقوقاً كما ذكرت، حيث أني ألمس من رسالتك الصلاح والخوف من ذلك الإثم. إن رضا الوالدين من رضا الله عز وجل، وحق الأم حق عظيم قرنه الله سبحانه وتعالى بحقه، قال عز وجل: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً" (الإسراء: من الآية23) لذلك فواجبك تجاه أمك كبير، وحقها عليك عظيم، ويجب عليك إطاعتها وبرها. خاصة وأنها قديمة الخبرة أكثر منك مهما اعتبرت نفسك مثقفة، أو اعتبرت أن الدنيا تغيّرت وأن والدتك من الطراز القديم، وهو ما نجده من كلام البعض حول اختلاف وجهات النظر. أختي السائلة تريثي فيما أنت مقدمة عليه فأنت لا زلت صغيرة والمستقبل أمامك، وستجدين _بإذن الله_ فرص أنسب لك ترضيك وترضى أسرتك بها، خاصة إذا تكللت بموافقة الأم ومباركتها لك ولزواجك، فلا تتسرعي في اتخاذ قرارك الذي قد يغيّر مجرى حياتك القادمة كاملة، وأوصيك بالاستخارة في كل أمر مهما كان صغيراً، فهي من أعظم العبادات حال تشتت الذهن ونزول الحيرة بالإنسان، مع الإيقان بأن الله تعالى سيوفقك لما هو خير لك. وصلاة الاستخارة هي ركعتان يُدْعى بعدهما بالدعاء الذي جاء في حديث البخاري عن جابر قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلِّمُنا الاستخارة في الأمور كلِّها، كالسورة من القرآن، يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركعْ ركعتين من غير الفريضة ثم ليقُل: اللَّهم إني أَستَخِيركَ بعلمك، وأستقدِرك بقُدرتِك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدِر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت عَلّام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري ـ أو قال عاجِل أمري وآجِله ـ فاقدِرْه لي ويسِّره لي ثم بارِك لي فيه ـ وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال عاجل أمري وآجِله ـ فاصرِفْه عني واصرِفْني عنه، واقدِرْ لي الخيرَ حيث كان ثُمّ رضِّنِي به" قال: ويسمِّى حاجتَه. يعني تقولي مثلاً: اللهم إن كنت تعلَم أنّ زواجي من فلان... والرّكعتان عاديّتان ليس فيها سور مخصوصة، وقال العلماء: يستحَب قراءة "قل يا أيّها الكافرون" في الرّكعة الأولى وفي الثانية، " قلْ هو الله أحد". قال النووي في كتابه "الأذكار": وإذا استخارَ مَضى بعدها لما ينشرِح له صدرُه، وينبغي ألا يعتمدَ على انشراح كان فيه هوًى قبل الاستخارة، وإنّما يَترك اختيارَه رأسًا. وإلا فلا يكون مُستخيرًا لله. بل يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبرؤ من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرّأ من الحول والقوة إلا لله. مع مراعاة أن الدعاء الذي تسبقه الصلاة قد يُستجاب وقد يرَدُّ، والمدار هو إتقان الصلاة والدّعاء مع توافر عامل الخشوع والرهبة والرغبة، ومع كون العبد مُطيعًا قريبًا منه، بعيدًا عن المعاصِي وبخاصة أكل الحرام الذي يحول دون قبول الدعاء. ولا يلزَم أن يرى الإنسان بعدها رؤيا مناميّة، فقد يحصُل القبول أو النفور بدونها. ملاحظة أخيرة أود الإشارة لها، وآمل أن تفيدك، وهي أن الحياة أوسع مما قد تراه فتاة ناشئة في مقتبل العمر مثلك، وكثيرة تلك المفاجئات التي يختبئ خلفها الناس، ولك في القصص التي نسمعها بشكل دائم من أقاربنا ومعارفنا الحكمة والموعظة، فكم من حالمة استيقظت على كابوس، وكم من مغامرة انتهت بها مغامرتها إلى مهالك الشيطان.. واعلمي حق العلم، أن رضا الأم ودعاءها لك بالصلاح والسعادة والرحمة، خير لك من الدنيا وما عليها، وأن عملك مهما كنت تعتقدين أنه جالب للسعادة لك، يرافقه سخط والدتك، أو دعاءها عليك، سيتحوّل أمره وبال عليك عاجلاً أم آجلاً، فإن الجنة تحت أقدام الأمهات، لما لهن من فضل ومكانة حباهم الله بها، فألزمي رأي أمك، وقدمي حكمتها على حكمتك، وعلمها على علمك، واسألي الله عز وجل أن يرزقك خيراً منه براً بوالدتك، وارجي من القادر الكريم، أن يجزل لك العطاء لأنك قدمت بر والدتك على رغباتك. أختي نور أتمنى لك التوفيق باتخاذ القرار الصحيح وأدعو لك بالسعادة والرضا. وأسأل الله أن يهدئ سريرتك، ويرزقك بصيرة الصلاح.