23 رجب 1428

السؤال

أنا شاب ولله الحمد ملتزم وبدأت في الفترة الأخيرة أهتم لأمر أهلي فقمت بنهيهم عن سماع الأغاني والموسيقى والتزام الصلاة وترك أهل البدع والشركيات بل أهل الكفر نفسه فبعضهم يصاحب النصارى فأنكر أهلي علي هذا الأمر وقالوا الإسلام دين يسر وليس دين عسر وأنت لا تملك مفاتيح الجنة والنار فألححت عليهم فقام ولي أمري بمنعي من الصلاة في المسجد فأرجو أن تساعدني فأهلي صاروا يعادونني.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الحمد لله، وبعد: السائل الكريم أحسنت إذ أقبلت على ربك والتزمت بدينك وأسأل الله أن يوفقك لكل خير ولكنني أحب أن أنبهك لبعض أمور هامة في بداية طريقك الذي تسير فيه وهي: أولا: أن الإسلام حقا هو دين اليسر والسماحة والتبشير بكل خير وليس دين العسر والتنفير بحال وفي ثابت الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ لما أرسلهما لليمن: "بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا "، وقوله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الدين يسر"، ولكن هذا اليسر ولاشك هو في الالتزام بتعاليمه وليس بتركها والإعراض عنها. ثانيا: أنك لابد أن تعلم جيدا أن نصح الوالدين له ضوابطه وشروطه ذلك لأن لهما الحق الكبير على المرء وأنه يجب عليك وعلى كل مؤمن أن يتقى فيهما الله ما استطاع وأن يكون نصحهما بكل لين ويسر وأدب وتوقير واحترام وأن يحرص على عدم إغضابهما وعدم عقوقهما، واحذر أن تدعوهما لبعض المستحبات مثلا فترتكب معصية كبيرة هي إغضابهما وعقوقهما، ولكن ابحث عن كل طريق إلى قلبهما لتوصل لهما النصح. ثالثا: لتحرص في دعوتك أهلك ومن حولك أن تبدأ معهم بالأصول والتوحيد والاعتقاد وتطهير القلب من درن أمراضه قبل أي شيء آخر، وإلا فإنك ستعارض معارضة شديدة ليست في صالحك و لا في صالحهم، ابحث يا أخي الكريم عن قلوبهم أولا وعلمهم التوحيد وأصول الإسلام وركائزه وفرائضه وحببهم في القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ثم ستراهم مقبلين على كل خير وإياك أن تبدأ بالإنكار عليهم في كل صغيرة وكبيرة فتبدو كالأحمق المتشدد أمامهم، فإن للدعوة فقها وعلما وتدرجا رابعا: إياك أن تظن نفسك قد صرت عالما بقراءتك بعض الكتب أو بسماعك بعض الدروس فإن العلم طريق طويل وجهد كبير ولابد من ثني الركب في مجالس العلماء السنين الطويلة، أقول لك ذلك حتى لا تنصب نفسك عالما على أهلك والناس من حولك، ولتعلم أن دورك هو النصح الجميل وأن تحترم خلاف العلماء في المسائل المختلفة وأن ترد مالا تعلم لأهل العلم والفضل خصوصا فيما قد ذكرت من مسائل قد لا تكون ملما بضوابطها وشروطها فاربط نفسك بالعلماء الكبار في كل خطوة ولا تأخذ العلم من مبتدئ، ولا من كتاب فحسب. خامسا: قد أخطأ والدك ولاشك في منعك من الصلاة في المسجد ولكنك قد فتحت الباب لهذا الخطأ بأنك قد بدوت أمامهم بتلك الشخصية الغير محبوبة فكأنك أسأت للدعاة أجمعين، أخطأ والدك نعم ولكنني أعود بالنكير أيضا عليك إذ عليك أن تبدو دوما في أهلك وأصحابك وبين الناس أجمعين بخلق الإسلام الجميل وبالبشاشة واللين وحسن الخلق وأن تشعرهم أن صلاتك إنما هي تزيدك حسنا في خلقك وأدبا وبرا مع والديك. سادسا: أعتب عليك لقولك أن أهلك صاروا يعادونك، فهذا بعيد جدا وأحسبه من هواجس الشيطان لك فلاشك أن والديك وأهلك يحبونك ويحرصون عليك ولكنهم قد يخافون عليك أن تسير في طريق قد يضر بك إن أنت لم تحرص فيه، ولهذا يجب أن تحل هذا الإشكال بالحكمة وتؤكد لهم بكل طريق ودليل أنك تسير في التزامك بسبيل وسطي معتدل تابعا في ذلك العلماء المقبولين الكبار الذين تعلم عنهم الوسطية والاعتدال والتقوى والعلم ولتدع والدك للقاء العلماء وطلبة العلم وتفهيمه موقفك، وفي كل ذلك تأدب بأدب الإسلام وخلقه. وأخيرا أوصيك أخي الكريم بالعلم، وألا تتبع متبوعا بغير أن تتحقق من منهجه وتعرضه على العلماء، كما أوصيك ألا تتمل نصح أهل الخبرة الحياتية من الذين هم يكبرونك، فهم قد خبروا الحياة والمواقف أكثر منك، واعلم أن أول دلائل نجاح المسلم الملتزم في دعوته هو نجاحه مع أسرته وأهله... وفَّقك الله لكل خير.