2 ذو الحجه 1428

السؤال

كيف نوازن بين تربية النشء على القيادة والمسؤولية، وبين الطاعة للمربي أو المعلم؟!

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

السائل الكريم، حفظك الله: لا تنافي مطلقا بين التربية على تحمل المسؤولية وبين طاعة المعلم والمربي، ولعل سؤالك إنما هو بسبب بعض الممارسات الخاطئة من بعض المربين في ذلك الاتجاه حيث يعمد أحدهم إلى الفتى فيأمره بالطاعة أمرا، ويصب جل اهتمامه التربوي على طاعته والاستماع إليه، ربما بشكل قد يطغى على شخصية الشاب أو الصبي فيخرج ضعيف الشخصية غير متحمل لمسئولية وغير مناسب للقيادة.. وأنا ههنا أقف معك عند عدة نصائح أحسب أنه ينبغي أن يهتم بها المربون إذا أرادوا تجنب تلك السقطات: الأولى تتعلق باختيار المربي الكفء، وأقصد به هنا الاختيار الصحيح للمربي المستقيم الشخصية، لا صاحب النواقص الشخصية ولا الأمراض النفسية، إذ إن المربي صاحب النواقص تنطبع نواقصه بطريقة عكسية على من يربيه، فتراه يسعى جاهدا أن يجعل لنفسه أتباعا ويجعل منهم جنودا يطيعونه بمجرد الإشارة.. ويحاول دوما أن يشعرهم أن طاعتهم تلك إنما هي شيئ من صالحات الأعمال، وهو لايدري أنه إنما يهدم جوانب مهمة من شخصياتهم ويقتل كثيرا من إبداعاتهم، خصوصا إذا كان ذلك المربي قليل العلم أو قليل الخبرة.. الثانية: وهي تختص بمتابع العملية التربوية العام، فينبغي عليه دوما أن يرقب الممارسة التعليمية والتربوية عن قرب ويلحظ التجاوزات فيها، ويقف مع المعلم والمربي وقفات حازمة عندما يتجاوز عمله المنهجية الصائبة في الممارسة. الثالثة: أن هناك خطوطا هامة ينبغي مراعاتها لبناء الشخصية القيادية من أهمها باختصار: التوازن في النمو حيث ينبغي إيلاء الاهتمام إلى شتى جوانب الشخصية في مرحلة البناء سواء كان جانبها العلمي أو جانبها الثقافي أو جانبها العبادي والتطبيقي أو جانب نجاحها على مستوى الإنجاز الحياتي أو جانب سلامتها وصحتها النفسية وغيرها.., كذلك فيلزم إعطاء شخصية الشاب المتربي فرصة حرة في تحمل المسئوليات بحرية تامة وتطبيق التجارب القيادية المختلفة، وههنا يجب أن نشعره بثقتنا فيه وتأكدنا من حسن تصرفه واختياره. الرابعة: وهي خاصة بالمناهج التربوية التي يجب أن تولي اهتماما واسعا بالممارسة القيادة والتربية على تحمل المسؤولية الشخصية والجماعية، والسيرة النبوية مليئة بالمواقف التي يعلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تحمل المسئولية ويحضرني الآن موقفه في فتح خيبر حيث قال في ليلتها "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فانظر لأي مدى يربط الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين تحمل المسئولية الكبيرة التي فيها بذل الروح وبين الثقة الكبيرة المولاة لهذا القائد، وتخيل معي ما هو شعور ذاك القائد غدا وهو يحمل معه تلك الكلمات من البشارة النبوية ؟! كذلك أذكر بعث جيش أسامة وهو الشاب ذو الثمانية عشرة عاما فيوليه القيادة على جيش عرمرم فيه المخضرمون من القادة والكبار، ولكنه يثق في قدراته ويعطيه فرصته ويؤكد عليه، ويأتي أبو بكر من بعد فيفهم الرسالة ويعي المقصود وينفذ جيش أسامة، وفي الحقيقة لست أذكر موقفا واحدا من سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم دل على كتم القدرات والطاقات الشخصية وكبت الفكرة والابتكار بحجة الطاعة أو التربية! خامسا: أود أن أقول إن المربي الناجح هو الذي يمنح الفرصة كاملة لمتعلميه للابتكار والممارسة القيادية وتحمل المسؤوليات المختلفة وإنما يحدث ذلك منه ابتداء بعدما يتعرف جيدا على قدراتهم المختلفة ويتأكد من أنهم على قدر من المعرفة العلمية والعملية تؤهلهم لما هم بصدده من مواقف، وإنما يكون ذلك بالتدرج التعليمي والتطبيقي وتمثل القدوة ههنا أيضا محكا أساسيا فيه...والحديث طويل وله جوانب أخرى وقد نكمله في موضع آخر إن شاء الله.. أسال الله لك دوام التوفيق والسداد.