واجب المسلم عند الفتن
30 ربيع الأول 1424

اسم الكتاب: واجب المسلم عند الفتن "أزمة ومواقف".
المؤلف: باسل بن سعود الرشود.
الطبعة الأولى (1424هـ)
إصدار: المنتدى الإسلامي – الرياض.

هذا الكتاب يأتي ضمن سلسلة تصدر عن المنتدى الإسلامي تحت عنوان "كتاب المنتدى" ويقع الكتاب في 78 صفحة من القطع الصغير.

تحدث المؤلف في هذا الكتاب عن أزمة ومواقف لا يختلف اثنان أن الأمة اليوم تعيش زماناً صعباً، وامتحاناً شاقاً، ومواجهة شرسة مع أعدائها، والمسلمون أنفسهم يواجهون رياح الفتن المتعاقبة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تعصف بالناس يمنة ويسرة. فما واجب المسلم عند الفتن؟ هذا ما يحدثنا به مؤلف هذا الكتاب.

ذكر المؤلف في مقدمته أن الأزمة تكون كالكير وكالنار وكالحمى وكالصدمة الكهربائية.
كالكير الذي يُذهب خبث الحديد.
كالنار التي تحرق الأرض فتعود أخصب من أخصب منها.
كالحمى تأخذ الجسد وتطرحه وتمتصه لتطهره من الذنوب.
كالصدمة الكهربائية التي تنفض الأمة وتحرك دماءها الساكنة.
فإذا جاءت الأزمة كان لا بد للمسلم من موقف يواجه به الفتن، والأزمة ليست ضرراً على الأمة بل تحت طيات الأزمات تأتي الخيرات.

لعل عتبك محمود عواقبـه   وربما صحت الأجسام بالعلل

ذكر المؤلف أحد عشر موقفاً يلتزمها المسلم أوقات الأزمات وزمان الفتن، وهي مجملة: الثبات وتثبيت العلماء وترسيخ الإيمان وتوضيح الدين واستشعار الأزمة واستنهاض الهمم وتجميع الصفوف وتفعيل الأمة والاحتساب وإشاعة الوعي والدعوة إلى الله .
وإليكم عرضاً موضحاً لتلك المواقف التي ذكرها المؤلف.
أولاً: الثبات والتثبت
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) (الأنفال: من الآية45) فالأزمات عواصف تهز الأمة ولا بد للأمة من تثبيت، والقلوب الضعيفة عرضة للمد والجزر ولجذب الشياطين.
وذكر المؤلف قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه في الغار "أبي بكر الصدّيق" وثباته على المحنة وشدة البلاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" وقوله: "لا تحزن إن الله معنا" وذكر كذلك قصة ثبات المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك حين ثبتوا فثبتهم الله.
ثانياً: وتثبيت العلماء
والعلماء بشر تعصف بهم الفتن كما تعصف بالناس، ويرتفع الإيمان وينخفض وتشتد العزيمة وترتخي ويميل ويثبت، فكُن مع العلماء، وإذا كانت كلمة العلماء تعني شيئاً وقت الرخاء فهي أعظم وقت الأزمة، وذكر المؤلف قصة ذلك الأعرابي الذي ثّبت الإمام أحمد زمن المحنة فقال له: يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيداً وإن عشت عشت حميداً فقوِّ قلبك. فلم تكن هناك كلمة أقوى منها في قلب الإمام أحمد.

ثالثاً: ترسيخ الإيمان
علينا أن نحرص على بث الإيمان في قلوبنا وقلوب الآخرين عند الأزمة لأمور منها:
أ- في الأزمة تقبل القلوب على خالقها، وعلى الدعاة أن يضخوا في القلوب معاني الإيمان والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة والتوبة.
ب- أن الأزمة لا تخلو من فتنة وظلمة وجفاف وتيه، وفي الإيمان نور وغيث وهداية، ونقل المؤلف كلام ابن حجر رحمه الله في استحباب الإسراع إلى الصلاة عند خشية الشر والفزع إليها عند ا لفتن، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وأكد عليه بقوله: "العبادة في الهرج كهجرة إلي" رواه مسلم.
ت- أن الإيمان أمان، فالله تبارك وتعالى يدافع عن الذين آمنوا، فبقدر الإيمان تكون المدافعة وبقدر الإحسان تكون المعية وبقدر العبادة تكون الكفاية.

رابعاً: توضيح الدين
في الأزمات يكثر السؤال والقيل والقال ويُفجر الموقف الواحد ألف سؤال وسؤال، وتلتفت الأمة إلى العلماء ليسمعوا الكلمة، والكلمة هنا غالية، قد تكلف الإنسان رأسه أو وظيفته، وحينئذ فلا بد من قيام لله بتوضيح الدين خاصة إذا مست الأمة في عقيدتها وشوش التوحيد وهمشت الثوابت ونطق الرويبضة، وقد تكون المسألة بغاية الوضوح وقت الرخاء، فإذا وقعت الواقعة فكأنما غشيتها غمامة! ولا يكفي مجرد التنظير لهذه المسائل، بل يجب تنزيل هذه الأحكام الشرعية على ما يلائمها من الواقع بكل رسوخ وتحقيق كما فعل علماؤنا الأفاضل.

خامساً: استشعار الأزمة
تمر الأزمة بالأمة، فلا يبالي الرجل بما كان وما يكون، لم يتغير جدوله، ولم يعد نفسه، ولم يضع بصمته في صفحة الأزمة، ولقد عرض للأمة نازلة توجب الاشتغال بما هو أعظم من نوافل التحديث وأعظم من ذلك أن ترى ذا العلم، وذا الدعوة يرى الأزمة تركض إليه وإلى قومه ولم يحرك ساكناً ليس لغفلة أو جهالة أو لعجز، فيُعذَر، بل تعامياً وتماوتاً، ثم ذكر المؤلف كلاماً جميلاً طويلاً لابن القيم يحسن الرجوع إليه.

سادساً: استنهاض الهمم
على الأمة أن تستنهض هممها وأن تشكلها بل تفجرها تفجيراً؛ لأن السيوف والقنابل قبل أن تقصف الرؤوس تقصف الهمم، واستنهاض الهمم بالآي والحديث وبالخطبة وبالقصة وبالشعر وبالموقف الشجاع، ثم ذكر المؤلف شواهد على ذلك من التاريخ كما فعل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في مؤتة، شجع الناس وأيقظ هممهم وذكّرهم أنه إما الشهادة أو ا لنصر فقال الناس والله صدق ابن رواحة، وذكر المؤلف أيضاً أحداث معركة عين جالوت وكيف واجه المظفر قطز رحمه الله التتار وشجع الناس وسما بهممهم حتى هزموا الأعداء شر هزيمة.

سابعاً: تجميع الصفوف
نحتاج إلى رص الصفوف والقلوب والجهود، ونحتاج إلى نشر أدب الخلاف وفقه الأخوة مع قاموس نظيف للألفاظ، ونحتاج إلى النصح والتصحيح وبيان الحق والصبر على ذلك، فالمقصود الاجتماع على الحق، والله يقول: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: من الآية103) وأول ما نحتاج إلى الالتفاف حوله ورص الصف معه العلماء العاملون، والمجاهدون المؤمنون، والدعاة الصادقون، نحتاج إلى ترشيد الجهود، إلى التسامي عن المعارك الهامشية حول اسم أو رمز أو المجادلة عن حظ النفس باسم الدفاع عن الدين أو الأنانية الفكرية الضيقة في "أنا" الفردية أو "نحن" الحزبية، كذلك نحن بحاجة إلى التسامي عن توزيع التهم، فلا نشق الصف بتعيير الآخر بشق الصف.. إلى آخر ما ذكر المؤلف تحت هذا الموقف المهم والمطلب الأهم.

ثامناً: تفعيل الأمة.. كل الأمة
كل الأمة، الصغير والكبير، والرجل والأنثى، الغني والفقير، وما بينهما، الصحيح والمريض، والأعرج والمشلول، حتى البر والفاجر، وآخرين خلَّطوا، والجماعات الإسلامية بكل الأسماء وفي كل الاتجاهات.

تريد مهذباً لا عيب فيه  
وهل عود يفوح بلا دخان

العمل للأمة واجب الجميع؛ لأنها أزمة الجميع، ولأننا نحتاج كل الطاقات وهي أوسع من فئة أو أفراد صالحين، نحتاج إلى إيقاظ الأمة، نحتاج إلى تجييش الأمة، نحتاج إلى التغاضي شيئاً ما وتأجيل الخلافات والخصومات الداخلية وذكر المؤلف دلائل وشواهد تاريخية منها أن جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه خرج إلى القادسية جهاداً ودفاعاً للباطل وفي الجيش أبو محجن الثقفي رضي الله عنه شرب الخمر و جلد الحد ولكنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

تاسعاً: الاحتساب
وكما أن الخفافيش العلمانية تخرج في الليل وتضغط وتستنفر، فلا بد للمرابطين الساهرين على حصون الأمة أن يصطادوا الخفافيش، أن يطاردوا اللصوص، وأن يفعلوا شيئاً، وذكر المؤلف من صور الاحتساب:
- الاحتساب على المرأة وحياطتها وصيانتها وحراسة فضيلتها.
- الاحتساب على منع الظلم، وهذا من أعظم الأعمال المتوجبة على أهل العلم، خاصة إذا ماتت الأمانة وفرخت الأنانية وعاش الناس في طبقية بشعة، يفتقر فيها الفقير ويفحش فيها الغني وتمتص دماء الناس هنا وهنا... إلى آخر ما ذكر المؤلف عند هذه النقطة.
- الاحتساب على رعاية الناس وحفظ أمنهم وتدبير معيشتهم، كل بحسب موقعه وقدرته، في أهله أو قرابته، في مسجده أو حيّه أو بلده، خاصة إذا اشتدت الأزمة وارتخت القبضة التي تنظم الأمر وتدفع اللصوص وذكر المؤلف قصصاً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المجال، فلتراجع.

عاشراً: إشاعة الوعي
إن كانت الأزمة ضربة، فلا بد أن نستيقظ، لقد نامت الأمة نومة شتوية طويلة عن سنن الله وعادة الحياة وكيد الأعداء، نومة جلبها الخمول وحب الدنيا، نعم الوعي ثقيل أحياناً، شعور مؤلم أن تشعر بأن الحياة لا تصفو، أن تشعر بقسوتها، أن تشعر بمخططات الأعداء، بل وتنفيذهم، ليس هذا فقط بل وأن عليك أمام كل هذا واجبات وحركة وثمن وأنه لا بد أن تتعلم وتخطط وتنفذ، ومن صور الوعي التي تحدث عنها المؤلف:
- أن تشعر ببعدك عن الله وحاجتك إليه وفقرك إليه وتقصيرك في حقه وحق دينه وحق عباده.
- الوعي بالمنافقين، الخفافيش البشرية التي تكمن في نهار الرخاء وتخرج في ليالي الأزمة، وما وقع من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على ذلك.
- الوعي بعداوة الكفار، الكفار الذين لن يرضيهم شبر الأرض ولا برميل النفط ولا الكلمة والبسمة، فضلاً عن السكون والسكوت، والله يقول لك: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: من الآية120).
- الوعي بسنن الله في المدافعة (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (الحج: من الآية40).
- الوعي بأنفسنا، بمواضع قوتنا وضعفنا، بمشكلاتنا، الأحداث محك تجربة لمناهجنا، لعلاقتنا، لصبرنا، لتفكيرنا، وأهم من ذلك كله لإيماننا.
- الوعي بمعنى الصبر وحقيقته، وبسبيل النصر وطريقته، وبأن الثبات في سبيل الله نصر، والوعي بأن الله يبتلي المؤمنين ويزلزلهم حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه متى نصر الله؟

الحادي عشر: إلى الله
وأخيراً.. إلى الله، وما جعلت هذا الموقف أخيراً إلا لتذكره فلا تنساه، ولتحفظه حفظاً وتحفره في ذاكرتك، وتكتبه في يدك، وتجعله في خاتمك.
إلى الله، فالخير بيديه، والشكوى إليه، والأمر منه وإليه، إلى الله بالدعوات واللهفات والاستغاثات، بقنوت وصلوات، بقائمة من الأدعية حال الفتن والكرب وخوف الأعداء نحفظها ونحفِّظها أبناءنا ومَن وراءنا.
وقد ذكر المؤلف عدة نماذج من التاريخ ومنها أن قتيبة بن مسلم سأل عن محمد بن واسع يوم قتال الترك فقيل له: هو ذاك في الميمنة جامع على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير.
ثم يختم المؤلف كتابه متفائلاً بكلمات جميلة، نذكر منها: وبعد، فهذه أزمة، وهذه مواقف جاءت إليك، والعدو يجوس في الديار، وبغداد يدب عليها التتار، التتار الجدد، أزمة كما تدعوك لأن تهتم وتجدّ، فهي تدعوك لأن تتفاءل.
تفاءل، التف إلى الله، وأبشر، اثبت وثبّتن ازرع الإيمان ووضح الدين، إهتم وأشعل الهمة، رص الصف وفعّل الأمة، وانشر الوعي وفِرّ إلى الله.

يا رفيق الطريق هوّن عليك الأمر  
لا بد مـن زوال المصـاب

وليالي الأحزان ترحل فالأحزان
 
مثـل المسـافـر الجواب

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.