بسم الله الرحمن الرحيم
إن الإنسان المسلم يقوم بتطبيق شرع الله ومنهجه على قدر إيمانه وعلمه وثقته بالله _سبحانه وتعالى_ فهناك صلة وثيقة بين ما يلتزم به المسلم في سلوكياته وأفعاله وبين درجة إيمانه، فكلما ازداد إيماناً وعلماً كان تطبيقه للشرع على قدر ذلك الإيمان وقوته، وكلما ضعف إيمانه وقلَّ علمه انعكس على التزامه فابتعد عن طريق الشرع وركن إلى نفسه وأهوائها، وذلك تصديقاً لقوله _تعالى_: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: من الآية28).
"ولما كان الجهل بالشرع ومقاصده أحد الأسباب الكبيرة التي تؤدي إلى الفتن وغوائلها فإن الفقه في الدين وتجريد اتِّباع الرسول _صلى الله عليه وسلم_ هما الواقيان _بإذن الله تعالى_ من شر الفتن قبل وقوعها، كما أنهما الدواءان والعلاجان للفتن بعد وقوعها؛ كل ذلك على افتراض الإخلاص ونبذ الهوى؛ لأن دور العلم هو كشف الشبهات وبيان الغي من الرشد والحق من الباطل".
فمن الحقائق المؤسفة التي أريد التحدث عنها هي حقيقة الضعف العام في الالتزام وعدم التفقه في الدين في المجتمع النسائي، فالمرأة تشكل نصف المجتمع ولكن تأثيرها ينعكس على المجتمع بكامله، أليست هي مربية الأجيال؟ فالأم مدرسة كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها | أعددت شعباً طيب الأعراق |
ولكي تساهم في بناء المجتمع الإسلامي القائم على الأسس الشرعية فلا بد من إعدادها إعداداً جيداً، وذلك من خلال تأصيل العلم الشرعي في نفسها وتطبيقه سلوكياً، ومن ثم تشجيعها للقيام بمهمة الدعوة لهذا الدين في مجتمعها؛ فالمرأة المسلمة مأمورة بالدعوة إلى الله ونشر الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (التوبة: من الآية71).
فكلما كان المجتمع النسائي المسلم ملتزماً راشداً ومستنيراً أعان على بناء المجتمع الإسلامي وزاده قوة وتماسكاً، ويصبح بذلك نسيجاً متكاملاً لا يمكن فصل أجزائه بعضها عن بعض.
إذن لا بد من تقييم لوضع المرأة المسلمة من قِبَل أصحاب الخبرة والمسؤولية في هذا المجال لوضع الحلول المناسبة لكل ما تعانيه من تقصير وتقهقر ولا مبالاة، وإن لم يتدارك هذا الأمر فسوف يؤدي إلى انحلال المجتمع بكاملة.
إن ما نشاهده اليوم في بعض المجتمعات العربية والإسلامية من انحلال خلقي ما هو – في كثير من جوانبه – إلا نتيجة لعدم التزام المرأة بالأحكام الشرعية كما أرادها الدين الإسلامي، وكل من ينكر هذه الحقيقة فإنه يخادع نفسه؛ فللمرأة دور كبير وتأثير شديد في ضبط أي مجتمع أو انحلاله وفساده، ألم يقل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "ما تركت من بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"؟.
فلا يمكن أن يستقيم المجتمع النسائي المسلم إلا من خلال تطبيقه للمنهج الإلهي؛ لأن تغييب ذلك المنهج عن حياته يعرضه للزلل والانسياق وراء أهواء النفس الأمارة بالسوء في كل زمان ومكان؛ فكلما ضعف الوازع الديني وانتشر الجهل بالشرع في أي مجتمع إسلامي أدى إلى خلل في العقائد والسلوك، ومن ثَمَّ تنتشر البدع والخرافات، وتجد لها تربة خصبة لنموها وترعرعها، وكم نرى من النساء اللواتي يعانين من ضعف في الوازع الديني يمارسن سلوكيات تمس عقيدتهن وإيمانهن وتوحيدهن لله _عز وجل_، فكم من النساء من تؤمن بالسحر والشعوذة والخرافات وتتفاعل معها كأنها حقائق مسلَّم بها؛ فمنهن من تطوف بالأضرحة وتطلب العون من أصحابها وكشف الضر عنها، ومنهن من تؤمن وتصدق ما تقوله قارئة الفنجان وضاربة الودع، حيث تخبرها بأشياء لا يعلمها إلا الله – سبحانه وتعالى – عالم الغيب والشهادة، فتلقى وجه ربها وهي على هذا الشرك _والعياذ بالله_، وأما بالنسبة لأداء العبادات فحدث ولا حرج عن الأخطاء الكبيرة التي ترتكبها النساء.
ولنا أن نتساءل: من المسؤول عن هذا الوضع؟ إن المسؤولية متعددة الأطراف وأولها الأسرة؛ لأنها المحضن الأول للأبناء والمسؤولة عن توجهاتهم. يقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه".
إن غرس العقيدة وتعميقها في نفوس الأبناء، وكذلك المفاهيم والقيم والسلوكيات الحسنة التي دعا إليها الإسلام تبدأ من الأسرة؛ فإن لم يقُم الأبوان بهذه المسؤولية الملقاة على عاتقهما على الوجه الأكمل فسيؤدي بالأبناء إلى الاعتقاد بكل ما في المجتمع من سلبيات، أو تستقطبهم بعض التيارات الدينية المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ وما أكثرها في زمننا هذا، وعلى سبيل المثال ظهور من يسمون بعبدة الشيطان في بعض البلاد العربية، وهذه حقائق لا يمكن لأحد إنكارها.
فعلى الأُسر أن تتقي الله وتلتزم بقوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم:6).
ثم يأتي دور الإعلام في المسؤولية، فإن للإعلام دوراً كبيراً في زمننا المعاصر، وله من الأهمية ما يجعله في المرتبة الثانية بعد الأسرة في تنشئة الأجيال وتربيتها.
إن وسائل الإعلام من تلفزيون وإذاعة وصحف ومجلات وأخيراً الإنترنت استطاعت أن تحدث تأثيراً كبيراً في تشكيل مضمون الفكر الإنساني وسلوكه، وذلك من خلال ما يتلقاه يومياً من تلك الوسائل المهمة والخطيرة، وهذا ما أدركه أعداء الإسلام وأذنابهم من أبناء جلدتنا؛ فهم يبذلون كل ما في وسعهم ولا يدخرون جهداً في التأثير على الرأي العام باتهام الشباب المسلم بالتطرف والإرهاب، والمرأة المسلمة بالتخلف والرجعية.
وبدلاً من أن يقوم العاملون على الإعلام في بلاد المسلمين بتوجيه المرأة الوجهة النبيلة وإثرائها فكرياً وثقافياً ومساعدتها على تعلُّمها العلوم الشرعية من فقه وغيره، نراهم قد بذلوا جُلَّ وقتهم في السعي لتكوين رأي عام ضد القيم الإسلامية، والترويج للقيم والسلوكيات الغربية؛ فقد تم قصر دورها وحصره في الاهتمام بشكلها وشعرها وبشرتها وجسدها مما ساعد في إلهائها وتخلفها وإذاعة وقتها في أمور تبعدها عن أي تقدم أو تطور. هذا هو دور الإعلام الآن الذي أثَّر كثيراً في تراجع المرأة عن أداء دورها ومشاركتها في إعداد الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
من المؤسف حقاً أن تجد من أبناء جلدتنا من يلوون الثوابت على حسب أهوائهم وأهواء أعداء هذا الدين؛ ينادون ويؤيدون كل ما جاء من الغرب دون وعي أو تفكير حتى لو أدى بهم ذلك إلى الكفر _والعياذ بالله_ "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ" (البقرة:11، 12).
إن من أكبر المهمات التي يقوم بها هؤلاء هي تنفيذ خطط الغرب في إبعاد المرأة المسلمة عن دينها؛ لعلمهم أن للمرأة دوراً كبيراً في إصلاح المجتمع أو فساده.
لقد تداعت علينا الأمم من كل فج عميق تبث سمومها من خلال وسائل الإعلام؛ والحقيقة المرّة أنه ليس بمقدورنا كأفراد أن نمنع هذا الأمر؛ فالمسؤولية تقع أولاً على الحكومات بشكل عام، ووزراء الإعلام بشكل خاص، فهم مسؤولون أمام الله – سبحانه وتعالى – عن المساهمة في إصلاح مجتمعاتهم. يقول _صلى الله عليه وسلم_: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته".
ومن خلال هذا الواقع الأليم أستطيع أن أقول: إن المسؤولية تضاعفت في عصرنا الراهن على الأسرة عامة والمرأة خاصة للمشاركة في مجابهة وسائل الإعلام للحفاظ على دينها وقيمها وعلى أبنائها، والحفاظ على هويتهم الإسلامية وبث روح الاعتزاز بأننا خير أمة أخرجت للناس.
فالمرأة المسلمة مطالبة بأن لا تكون المعول الذي يستخدمه أعداؤها لتقويض بناء المجتمع الإسلامي وتدميره.
إن الموقف السلبي للمرأة المسلمة في هذا الزمان وتقهقرها وتراجعها عن أداء دورها ساعد كثيراً في نجاح المخططات الغربية؛ ولها من جداتها المؤمنات العالمات خير قدوة في أن تحذو حذوهن في طلب العلم الشرعي ثم نشره بين النساء، وبذلك تتخلص من سلبيتها وتقهقرها وتراجعها.
لقد كان للمرأة دور كبير في عهد النبوة وما بعده في الدعوة إلى الله وتبليغ الأحكام الشرعية، وكم بذلت المرأة المسلمة من الجهد في إشاعة العلم ورواية الحديث الشريف وحفظه، وتعليم النساء الأحكام الشرعية التي تخصهن، وقد ذكر لنا التاريخ كثيراً من النساء المحدِّثات اللائي شاركن في نهضة الأمة العلمية ورقيها الخلقي؛ فهذه عالمة فاضلة فقيهة بالدين فاطمة بنت أحمد بن يحيى كانت تستنبط الأحكام الشرعية وتتباحث مع والدها في مسائل فقهية حتى شهد لها والدها مع علمه وفضله، فقال: إن فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام، وكان زوجها يدخل عليها فيستفتيها فترشده إلى الصواب، ثم يخرج إلى تلاميذه فيشرح لهم ما أشكل عليه فيقولون: ليس هذا منك بل من خلف حجاب.
وهناك كريمة بنت همام، وهي من راويات الحديث الشريف، روت عن عائشة أم المؤمنين، وروى عنها يحيى بن كثير وعلي بن المبارك، وروى لها أبو داود والنسائي.
ومما يشير إلى دور المرأة العلمي ومكانتها في المجتمع الإسلامي أن نجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – على ما كان يتميز به من العلم قد تلقى الحديث عن امرأة مسلمة عالمة صالحة، فقال – رحمه الله -: أخبرتنا الشيخة الصالحة أم الخير ستُّ العرب بنت يحيى بن قايماز بن عبد الله التاجية الكِندية قراءةً عليها وأنا أسمع في رمضان سنة 681هـ، وأبو العباس بن شيبان، وابن العسقلاني، وأبو الحسن ابن البخاري... عن القاسم، عن عائشة: "أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كان يغتسل من جنابة، فيأخذ حَفنة لشِقِّ رأسه الأيمن، ثم يأخذ حفنة لشق رأسه الأيسر".
هذه هي المرأة المسلمة كما يريدها دينها، وهذا هو دورها وليس كما يريده أعداؤنا.
لم يصل المجتمع الإسلامي إلى ما وصل إليه من الانحلال والتفسخ إلا عندما تخلت المرأة عن دورها، ولم يستطع الغرب التأثير على المجتمع الإسلامي إلا من خلال تخاذل المرأة وتراجعها، وعدم التزامها وتفقهها في الدين، وانبهارها بزخرف الحياة ولهوها، وعدم السعي إلى صلاح نفسها.
ولا ننسى هنا أن للزوج دوراً أيضاً في تربيتها وتوجيهها وتعليمها، ومحاولة إثراء فكرها بالعلوم الشرعية، ومن المؤسف أن نرى أن الرجال قد انشغلوا بأنفسهم عن إفادة النساء في أمور دينهن وعدم تشجعيهن والأخذ بأيديهن إلى الطريق الصحيح.
وهنا أود أن ألفت نظر الرجال عامة والدعاة خاصة إلى أنهم إذا لم يقفوا إلى جانب المرأة ويساعدوها ويقدموا لها العون والنصح والإرشاد لكي تقوم بدورها، بل تركوها تركن إلى نفسها وإلى شياطين الجن والإنس فإن الضرر سيلحق ليس بالمرأة فقط، وإنما بالمجتمع الإسلامي برجاله ونسائه ومكامن قوته؛ فـ"إن ترك الزوجة جاهلة بدينها دون تعليم لها وتربية وبخاصة فيما يجب عليها معرفته كالتوحيد وأركان الإسلام والأحكام التي تخصها في الحيض والنفاس واللباس وغير ذلك مما يؤدي الجهل به إلى الإخلال بدين المرأة وعبادتها لربها وسلوكها وأخلاقها، وإهمال الزوج لزوجته في هذه العلوم الواجبة مع قدرته على تعليمها يعد ذلك منه ظلماً لامرأته ومنعاً لها من حقوقها".
والله – سبحانه – يقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة: من الآية2) لأنه لا بد من تضافر الجهود من قِبَل الجميع: الأسرة ثم المؤسسات الدعوية والإعلامية والتربوية كالمدارس والجامعات؛ لأن من أكبر العوامل في تضامن الأمة الإسلامية وحفظ وحدتها من التمزق والانحراف هو شعور الجميع بالمسؤولية وبالخطر الذي يحيط بالجميع.
تلك كانت بعض الأسباب المهمة التي جعلت المرأة تعاني من ضعف في الوازع الديني وعدم التفقه بالدين، ولنا أن نسأل: ما هو الحل؟ إذا عرفنا السبب فالحل واضح وهو علاج تلك الأسباب.
------------
(*) مجلة آفـــــــاق -العدد الأول والثاني -