إذا كنت مصراً على العقاب!
11 ذو القعدة 1425

· إيّاك وكثرة الوعد والوعيد، واقتصد في ذلك، ودع الحقائق تتحدث عن نفسها، وكم من مفاجأة كانت أمضى أثراً وأبعد مدى.

· إياك أن تكثر من العقاب أيّاً كان نوعه، حسياً أو معنوياً، فهو كالدواء إذا زاد نقص، وإذا تعود الجسم عليه ضعف أثره، وإذا اضطررت إليه فليعلم ابنك أنك تعاقبه لا بغضاً له، ولكن كرهاً لعمله، بل أقنعه أنك تعاقبه من أجله، بل محبة له وحرصاً على مستقبله، وإزالة الأدواء المعنوية كإزالة الأمراض الحسية، فإذا كان ابنك لا يشك أنك عندما تجري له عملية لإزالة الزائدة أو المرارة أن هذا نابع من محبتك له وحرصك على حياته، فليكن شعوره كذلك وأنت تعاقبه، وإيصاله إلى هذه القناعة ليس بالأمر اليسير لكنه ليس بالمستحيل، وإن لم يقتنع اليوم فسيقتنع غداً، وأسلوبك معه في العقاب نوعاً وكماً ووقتاً هو الذي سيوصله إلى تلك النتيجة ولو بعد حين.

· موضوع عقاب الأبناء من أكثر الموضوعات تعقيداً، والناس في ذلك مختلفون، منهم المقلّ ومنهم المكثر، وقليل من يوفق إلى طريق الصواب، وقد نشأ بسبب الخطأ في هذا الجانب مشكلات أسرية أدت في بعض الأحيان إلى تفرق الأسرة وتشتتها، والعقاب إحدى وسائل التربية المؤثرة، كيف وقد ثبت عن المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ "واضربوهم عليها في عشر"، ولكن المهم كيف يكون العقاب، وما هي وسائله، ومتى يستخدم، إلى غير ذلك مما يتعلق بهذا الأمر، نظراً لحساسيته، وأثره السلبي أو الإيجابي في العاجل أو الآجل.

والعقاب أنواع، منه:
1- العقاب بالتكليف الإيجابي، حيث يعاقب الابن بأن يؤدي عملاً إيجابياً يخدم الأسرة، مقابل ما وقع فيه من خطأ، كأن يكلف بتنظيف البيت أو جزء منه، أو بغسل السيارة، أو بترتيب المكتبة، وهكذا حسب نوع الخطأ وسن الابن.

2- العقاب بالمنع والحرمان، كأن يحرم الابن من مصروفه اليومي، أو من الذهاب إلى زيارة بعض الأقارب، أو الخروج إلى البر، أو بركة السباحة، أو ممارسة بعض ألعابه التي يحبها، وهكذا.

3- العقاب بالهجر، كأن يهجره أبواه أو أحدهما، أو كل الأسرة، وهذا العقاب من أشدها حساسية، حيث قد يؤدي إلى بعض المفاسد، فلذلك لا بد من الانتباه الشديد له، واستعماله بحذر.

4- العقاب بالتعويض، وذلك بإصلاح ما أفسد، وهذا مهم جداً، وناجح، وثماره ملموسة، مع أهمية العدل في ذلك.

5- العقاب بالزجر والتهديد، وينتبه إلى عدم الإكثار منه، حيث يصبح ضعيف التأثير، محدود الفائدة، مع تجنب التجريح الشخصي، والدقة في العبارة، فآثار الكلمات الجارحة لا تذنمحي.

6- العقاب بالضرب، ولا ينكر تأثيره، ولا أرى استخدامه إلا في أضيق الحدود، وإن استطعت أن تتجنبه فافعل، فإن أُلجئت إليه فكن حذراً متيقظاً، ملتزماً بالآداب الشرعية في ذلك، حيث تتجنب الوجه، والضرب المبرح، والأماكن الحساسة، ونحوها.

7- العقاب بالسجن في البيت، وليكن استثناء لا أصلاً، وله ضوابط معتبرة، حتى يكون ناجعاً ومؤثراً، ولا تلجأ إليه إلا مكرهاً، لما قد يترتب عليه من سلبيات لا ينتبه لها، وهي سلبيات طويلة المدى والأثر قد تنعكس على حياة الابن ومستقبله.

وهناك أنواع أخرى من العقوبات، تختلف من فرد لفرد، ومن بلد لبلد، ومن خطأ لخطأ، حيث تخضع لاختلاف الزمان والمكان، والحال والمحل، ولكل حالة ما يناسبها.

وأنبّه إلى بعض الأمور التي يجب مراعاتها عند العقاب:
1- أن تشعر ابنك بأنك تعاقبه كرهاً لذنبه وخطئه، لا كرهاً له، بل محبة وشفقة وحرصاً على مستقبله.

2- الحذر من التجريح الشخصي، والسخرية والاستهزاء، وبخاصة من الأبوين، فهي جروح لا تندمل، وكسر لا يجبر.

3- العدل ثم العدل، حيث يكون العقاب مساوياً للذنب أو أقل، وتحرم الزيادة شرعاً وعقلاً، ومن العدل: العدل بين الأولاد في العقاب وعدم المحاباة، فإن كانت المراعاة لسبب معتبر فأفهم أولادك ذلك، كأن يكون أول خطأ، أو لأنه مريض، وهكذا.

4- أهمية ضبط الأعصاب، وعدم الانسياق مع الغضب، فقد ترتكب خطأ أكبر من الخطأ الذي وقع فيه ابنك، ولا يقضي القاضي وهو غضبان.

5- قد يكون العفو والإحسان أشدّ أثراً من العقاب، إذا أحسن استخدامه ووافق محله، وليدرك أبناؤك أن عفوك وتسامحك ليس ضعفاً ولا إهمالاً.

6- يجب أن تكون مطرداً، لا تخضع أحكامك للمزاج والانفعال، بل تحكمها المصلحة وإشاعة النظام.

7- يجب أن تكون العقوبات معروفة لأبنائك، وإن لم يكن تفصيلاً، وإنما إجمالاً.

8- من المستحسن أن تكون العقوبة مباشرة للذنب حتى لا تفقد أثرها، ويمكن أن تؤجل بعض العقوبات لأسباب معتبرة، كما إذا كنتم زواراً، أو عندكم ضيوف، أو وقت الامتحانات، أو في مواسم الأفراح أو الأحزان، وغيرها مما لا يخفى؛ لأن العقاب علاج وليس انتقاماً، فإذا لم يصادف محله عاد بأسوأ مما أريد علاجه، ولذلك لا بد أن يكون كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.

9- قد يكون العقاب، خاصاً أو عاماً، وقد يكون أمام أهل البيت أو بدون علم أحد، وتُراعى في ذلك أمور مهمة، الغفلة عنها تؤدي إلى سلبيات كثيرة.

10- من الحكمة توزيع الأدوار بين الأب والأم في نوع العقاب ووقته، فبعضها لا يصلح إلا للأب وبعضها الأجدى أن تقوم به الأم، وإذا كان له بعض الأبناء الكبار فيحسن أن يقوموا بما لا يناسب أن يقوم به أحد الأبوين، ولكل حالة ما يناسبها، ولكل أسرة ما يلائمها.

· وكما يعاقب المقصّر يحسن أن يكافأ المجدّ والمنتظم، دون إفراط أو تفريط، نظراً لحساسية هذا الأمر عند الأولاد.