مع الأبناء : استخدم (أنا) واعترف بآرائهم
6 صفر 1426

لا زال الحديث مستمراً عن عناصر حل المشاكل بلا مشاكل، وكنا قد تعرضنا لثلاثة عناصر سابقة من سبعة في مقالات سابقة، ونواصل اليوم مع الأساليب ونتناول العنصرين الرابع والخامس، لكننا نذكركم العناصر إجمالاً:
أ – طوّل بالك. ب – اقبل ابنك بعيوبه.
جـ - الخطوات الخمس لحل مشكلة ابنك.
د – أسلوب "أنا" لحل مشكلتك. هـ - اعترف برأيه.
و – الحزم اللطيف. ز – دعه يتوهق.
ونبدأ في عناصر اليوم
العنصر الرابع: "أنا" لحل مشكلتك
أم خالد قضت العصر تنظف الصحون وترتب المطبخ بعدما تعبت ورتبت دخل خالد المطبخ يبحث عن أكل، أخرج قدراً من الثلاجة والصينية من الفرن، وأكل وشبع وترك القدر مفتوحاً، وترك الصينية والصحون التي أكل منها وبقايا العصير ، المهم أنه بعثر المطبخ وخرج، غضبت أم خالد، ترتب وتنظف وتتعب، ويأتي هذا يضيع تعبها دون إحساس بهذا الجهد، كان يمكن أن تتكلم عليه وتنتقده، لكن هذا كله لن يغير ولدها، لذلك أحسنت لما سكتت ومسكت لسانها وهدأت نفسها، وراحت لخالد، وقالت له بكل هدوء: يا خالد أنا أقضي وقتاً طويلاً في ترتيب المطبخ وتنظيف الصحون ، وعندما تدخل وتترك بقايا أكلك بهذا المنظر تضايقني كثيراً وتحسسني أن تعبي ضاع ولم أعمل شيئاً، لابد أن أرجع وأرتب من جديد، بكل بساطة رجع يرتب المطبخ؛ لأن خالدا وأي مراهق يحب أمه ولا يقصد إيذاءها.

انتهت المشكلة بكل هدوء لما استخدمت الأم أسلوب "أنا" لحل مشكلتها بدل النقد والتجريح والصراخ الذي يتعبها ولا يفيد، هذا الأسلوب يعتمد على وصف مشاعر المتكلم: استخدام كلمة أنا – أنا يتعبني كذا – أنا أتضايق من كذا – أنا أحب كذا – أنا يعجبني كذا –.

سر التأثير في هذا الأسلوب أنه يركز على آثار السلوك ليس السلوك نفسه، وهذا الذي عملته أم خالد، تكلمت عن آثار التصرف على نفسيتها، ولم تتكلم عن التصرف نفسه، وأنه غلط وقلة حياء، أو أنك لا تفكر إلا بنفسك.

دعونا نأخذ مثالاً آخر: الولد يتأخر عن البيت، والوالدان مشغولان عليه، المشكلة الآن تزعج، من تزعج؟ الآباء لا شك، والابن مسرور، استمعوا للأب وهو يستخدم أسلوب "أنا"، ويصف آثار السلوك على نفسيته يقول الأب: فلان ينشغل بالي عليك كثيراً، وأقلق وأنزعج عندما تتأخر عن الساعة التاسعة، عبارة قصيرة وصفت المشاعر بدون غضب أو احتقار للابن وافتعال مشكلة أو صراخ، يستطيع الأب أن يقول: أين كنت تدور في هذه الليالي، ما تفهم الكلام؟ كم مرة قلت لك: لا تتأخر عن الساعة التاسعة .

ولأن الأبناء يختلفون في استجابتهم للأساليب التربوية لذلك مع بعض الأبناء قد لا يفيد هذا الأسلوب، لكن بشكل عام التعبير بهدوء وصدق واختصار عن مشاعر الوالدين بدون نقد أو توجيه مباشر له الأثر الكبير في نفس المراهق، أيضاً لا نستخدم أسلوب "أنا" فقط للمشاكل، أختي الفاضلة: البنت أخيراً رتبت غرفتها إنجاز أعبر لها عن مشاعري باستخدام كلمة "أنا" تقول الأم مثلاً : أنا مسرورة من ترتيب الغرفة أصبح شكلها جميلاً الأوساخ في سلة المهملات، والملابس في مكانها، والسرير مرتب، والتسريحة منظمة سوف تفرح البنت، وتحرص دائماً على معرفة مشاعرك المختلفة.

من أسلوب (أنا) وعباراته المؤثرة جداً عندما تقول الأم: أنا آسفة يا بنتي هل تسامحيني يا سلام ما أجمل الاعتذار، وكيف أثره الرائع في تقوية العلاقة بين أفراد الأسرة، يقول الله _تعالى_: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: من الآية34) إذا اعتذر الآباء تعلم الأبناء كيف يعتذرون ولا يستحون من الاعتذار، ويتعلمون أن الحق أكبر من الناس، ويزداد حبهم وتقديرهم لآبائهم، يقول فاخر عاقل في كتابه (رحلة عبر المراهقة): "المراهق يحترم الوالد الذي يعترف بخطئه أو جهله أو حتى عدم عدالته أما الذي لا يستطيع الابن نسيانه، فهو رفض الوالدين هذه الاتهامات إذا كان يعرف أنها حقيقية" ا.هـ.

أسأل الله _تعالى_ أن يحمينا وإياكم من الكبر، وأن يجعلنا ممن يعترف بأخطائه ويعتذر منها، ويقول الحق ولو على نفسه، قال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ " (النساء: من الآية135)، وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "قل الحق ولو كان مراً" أسلوب "أنا" يساعد المراهق على تقدير مشاعر الآخرين وعلى تقبله لتغيير الخطأ.

ذكرنا كيف يزداد تقديره لوالده عندما يعترف هذا الأب بخطئه، هذا يشعر المراهق بالعدل وأنه ليس وحده الذي يغلط، هناك أمر آخر يزيد من تقدير المراهق لوالديه، ويزيد استجابته لهم، ويزيد من شعوره بالعدل، ويقلل المشاكل كثيراً، وهو: الاعتراف برأيه، وهذا هو موضوع العنصر الخامس من عناصر حل المشاكل.

العنصر الخامس: اعترف برأيه:
يقول د.عبد العزيز النغيمشي في كتابه (المراهقون): "يجب على المربين تدريب المراهقين على الحوار والنقاش وتبادل الآراء" ا.هـ.
أول خطوة في الحوار الناجح مع المراهق هي الاعتراف بأن آراءه ومواقفه تستحق الاستماع، تذكر الآن شخصاً عزيزاً عليك جداً وتخيل نفسك كيف كنت تستمع له لتفهمه وتشعره بقربك منه، لا بد أنك انتبهت له انتباهاً كاملاً ،وتركت كل الذي بيدك وعدلت جلستك من أجله كأنك تقول له: أنت أهم عندي من أي شيء آخر، عندما تعيش هذا الاستماع الراقي مع ابنك المراهق لاحظ تعابير وجهه مع كل حركة تحسسه فيها بأنك تحبه وتحب أن تسمع له، ستقرأ في عيونه كلمة: "شكراً لأنك لم تقاطعني أو تكمل عباراتي بالنيابة عني، شكراً يا أبي لأنك كنت تحاول أن تفهمني، وغير مشغول بتجهيز الرد الذي ستسكتني فيه". ابنك سيشعر بحبك وحرصك على فهمه عندما يعرف أنك لم تتضايق من أسلوبه غير الناضج في تعابيره عن نفسه، وركزت على الأفكار الأساسية من أجل هذا غضيت النظر عن ارتفاع صوته، وتجاوزت له الكلمات الانفعالية، وركزت فقط على الأفكار التي يقولها، وتعاملت معه بصدر واسع وعقل يرحب بتعدد وجهات النظر، ويفترض أن الصواب قد يكون عند ابنه مثل ما يكون عنده بدون أن يقع في خطأ بعض الآباء، فيربط بين عدم اقتناع ابنه بقناعاته ونصائحه وبين قلة الاحترام والمحبة.

المراهق يريد أفكارك يريد ملاحظاتك، لكن ليس معناه أنه لابد أن يوافق على أفكارك ويقتنع بها، أنت بدورك انتهز كل فرصة ممكنة للترحيب بهذا الاختلاف في وجهات النظر، استخدم عبارات تشعره باحترامك العميق لرأيه، مثل: رأيي يختلف قليلاً عن رأيك، لكن من حقك أن يكون لك رأيك الخاص، أو قد لا أتفق معك مئة بالمئة لكن لا أقدر أقول لك: إن رأيك خطأ أو هذا رأيي وهذا رأيك وأنا وإياك نرجع للدين ونرى أين الصواب، أو تقول: أنت صح يا ولدي وأنا غلطت،كيف يكون تأثيرها على نفسك لو كان أبوك في عز مراهقتك هو الذي يقول لك: أنت صح يا ولدي وأنا غلطت! لغة جديدة لم يتعودها أبناؤنا، يتعلم منه أن رأيه محترم وآراء الآخرين محترمة إن كانت لا تصادم شرع الله، فيسهل الحوار والتفاهم، وتخيل العكس لو كلنا نعاملهم أننا نحن –الآباء- صح، وأنتم أيها الأبناء غلط سيزيد العناد ويصعب التفاهم اعترافك أكثر برأي ابنك سيقلل انزعاجك من مخالفة ابنك لرأيك، ويقلل المشاكل ويعطي مساحة أكبر لنمو العلاقة بينك وبينه، وستسعد _بإذن الله_ عندما ترى ابنك يستمد ثقته بنفسه وفي قناعاته من اعترافك برأيه، وسيتعلم منك كيف يحتمل الآراء المخالفة له، وأولها آراؤك وبالفعل اعترف برأيه بنفسك حتى يعترف برأيك في قرارة نفسه أيضاً،وفي هذه الحالة فقط تكون استفادته الدائمة لآرائك وترتفع مكانتك في نفسه أكثر وأكثر، وتحتل مكانة القدوة التي تنتظرك في نفسه منذ زمن، اعترافك برأيه يعطي فرصة للحوار بينكم هذا الحوار الذي ستستخدمه معه دائماً حتى في مواقفك الحازمة في القواعد والقوانين إن صلحت التسمية التي تريد ابنك يتقيد بها، وهذا هو حديثنا في العنصر السادس من عناصر حل المشاكل سنتناوله في مقال قادم _إن شاء الله_.