كيف ربى الشيخ أحمد ياسين أبناءه وأمته؟
12 صفر 1426

إن أرواح الشهداء التي هي في حوصلة خضراء تسرح من الجنة حيث شاءت، تشهد أن الذين يضحون بحياتهم مخلصين لوجه ربهم لا يموتون...
والذين صدقوا عهدهم وأدوا واجبهم وباعوا الفانية بالآخرة الباقية هم الذين يفوزون دوماً في الدارين.....
والذين بذلوا جهدهم وثبتوا على درب الأبطال سيظل التاريخ دوماً يذكرهم ولا ينساهم، إذ هم الذين تبني عليهم الأمم مجدها وعزها وفخرها.... وهم باقون مهما ذهبوا بعيداً عنا....

إن المرء قد يعجب من رائحة شذا عطر تفوح من شهيد.. وقد يندهش من رجل شلت أطرافه الأربعة كيف له الجهاد.. وقد يستغرب أن يربِّي رجل واحد مريض مشلول أمة كاملة، ويضرب لها مثلاً من الإباء والشمم قل أن يجود بمثله ذاك العصر وتلك الأزمان.. فماذا لو اجتمع كل ذلك لدى مناضل؟ وماذا لو صار موته ولادة عالم جديد؟!
لقد ربى الشيخ أحمد ياسين أولاده وأمته على مبادئ سامقة وقيم عليا لم يكن هو إلا نموذجاً عملياً تطبيقياً لها، فكانت تربيته باقية، وكان منهجه في ذلك حياً تتوارثه الأجيال المؤمنة..

يقول إسماعيل هنية (أحد كبار قياديي حماس): " مرافقتي للشيخ تركت في آثاراً كبيرة.. إن الخمسة أعوام التي عشتها برفقة الشيخ كانت بالنسبة لي مدرسة ومحضناً تربوياً أكثر من عمري السابق كله، فتعلمت منه التواضع، وتعلمت الحكمة وبعد النظر والتفكير دائماً في مآلات الأمور، وعدم التهور والمجازفة، كما كان الشيخ يوسع دائرة الشورى، وكان لا يقطع أمراً إلا ويستشر إخوانه، كما كان كريماً برغم بساطته فإذا جاء أحد يطلب منه شيئاً إلا ويعطيه كما كان كريماً مع ضيوفه، كما تعلمنا منه حب الوطن، وحب الآخرين، والابتعاد عن الصراعات الداخلية، كما تعلمنا منه المرح، وتعلمنا من الشيخ الحزم في الأمور واللين مع الإخوان "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين".
نقاط وفاء.. وتمتمات ذكرى نتابعها عبر نظرات في منهجه التربوي العملي الأصيل مستشهدين بكلمات من حوارات بعض ممن اقتربوا منه وعايشوه وتعلموا منه وتربوا على يديه...

أولاً: موافقة القول العمل..
إن أول ما يلحظه المتابع لسيرة الشيخ أحمد ياسين– رحمه الله – أن أقواله لم تكن مجانبة لأفعاله أبداً ، بل كان سلوكه هو واقع حي تتجلى فيه كلماته، وكانت حياته هي كتابه المكتوب وأقواله هي النموذج المطبق على الأرض من سلوكه، فكم كان يكره الأقوال بلا أفعال، وكم كان يلوم كثيري الكلام قليلي العمل، وكم كان ينصح بتطبيق العلم قبل الحديث به... وهو في ذلك ينطلق من أصل إيماني أصيل أساسه قول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" (الصف:3)، وقوله _سبحانه_ " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " وإنكار النبي على مذكر الناس بالخير وهو لا يأتيه وتصويره وهو يدور تندلق أقتاب بطنه في النار يدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع إليه الناس قائلين: يا فلان ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف فلا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه. وما أحوج الدعاة إلى الله وموجهي الأمة بالتخلق بهذا الخلق القويم والتخلي عن كثرة الأقوال إلى كثرة الأعمال..

يقول (أحد شيوخ حركة المقاومة الإسلامية حماس)، وهو الشيخ حسن شمعه: "كان الشيخ _رحمه الله_ هو دينامو الحركة،وأراد لملمة الصف والعقد الذي انفرط، وكان الجهد الذي يقوم به أكبر من طاقته.."

ويقول الدكتور عاطف عدوان: " لقد آمن الشيخ بأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط ولا المهادنة ولا التأجيل ولا الاستراحة، وأن الطريق إلى فلسطين يمر فقط عبر فوهة البندقية، كما أكد أن الجهد الأعظم سوف يرسخ لخدمة هذه القضية وأنه لن يسمح لأية قضية جانبية أن تطغى على الهدف الأساسي وهو مقاومة الاحتلال. وقال: لقد شكّل الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين مركز وقلب الحركة السياسية والعسكرية، وإليه كانت ترجع جميع الأمور، ويرجع الفضل إليه في نشر وتقوية الحركة في كل اتجاه..."

ويقول الدكتور صلاح البردويل: كانت كلماته الخافتة البسيطة أقوى وقعاً من كلّ الكلام، حيّا شعبه بكلّ أطيافه، و دعا إلى وحدة الصف و الكلمة، و أكّد على ضرورة هزيمة الظلم و الاحتلال. هو هو لم يتغيّر، لم تتغير إرادته و عزيمته و عطاؤه.

ويتذكر إسماعيل هنية بعضاً من الأحاديث والأقوال التي تحدث بها الشيخ، ويقول: بعدما سمع باغتيال الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب قال: ضربنا فارتفعنا وضُربنا فارتفعنا.
وقال: إن من أقواله: صراعنا مع اليهود هو صراعنا على هذا الحبل فإذا كسبوه سينتصرون علينا، وإذا كسبناه سننتصر عليهم. ويقول هنية: ومن الآيات التي كان يكررها: "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك".

ثانياً: الصبر و الثبات على المبدأ والتضحية في سبيله..
لقد كان الشيخ ياسين مثالاً يحتذى في صبره وثباته، وقد ضرب في ذلك نموذجا قل تكراره... فصبره على ألم الاعتقالات والعذاب داخل السجون تارة، وصبره على ألم تفرد الطريق وكثرة الأعداء تارة وصبره على تربية جيل سليم صحيح تارة، وصبره على ثبات منهجه ورسوخه، وعدم تسلل الهوان إليه ولا التردد تارة أخرى...

والصبر ضروري لكل الدعاة إلى الله، وأوامر القرآن بالصبر أكثر من أن تحصى كقوله _سبحانه_: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.." وكذا إنكاره _صلى الله عليه وسلم_ على المترددين العاجزين والمتعجلين الغير صابرين، بل لقد جعل الله الإمامة في الدين قائمة على أصلين هما الصبر واليقين في قوله _تعالى_: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ".

يقول علاء عايش (أحد الذين عايشوه قي سجن كفار يونا): لقد كان الشيخ يعيش القهر والألم وهو مبتسم ولم يتأفف يوماً، كما كان شامخاً دائماً معتزاً بدينه يخاطب الأعداء بعزة وكبرياء، وكان يخاطب قادة مخابراتهم وجيشهم باستعلاء كبير.

ويقول إسماعيل هنية: رأيت أثناء وجودنا في (المسلخ)، وهو ما كان يطلق على مكان التحقيق، أحد الجنود يمسك بعجلة الشيخ و يدفعها للأمام فتنقلب ويقع الشيخ على الأرض، ويبقى ساعات طويلة ملقى،كما قاموا بنتف لحيته، و قاموا بالضغط على خصيته بحيث أصبح هناك ورم دائم في الخصية، وكانوا يقومون بضربة في مناطق القفص الصدري، ومن أثر هذا التعذيب القاسي ساءت حالة الشيخ الصحية، وتم نقله إلى مستشفى السجن.
يقول الشيخ ياسين– رحمه الله – :" لقد عمّقت الزنازين في نفسي كراهية الظلم، و أكّدت لي أنّ شرعية أيّ سلطةٍ تقوم على العدل و إيمانها بحقّ الإنسان في الحياة بحرية".

يقول الدكتور صلاح البردويل: لم تفتّ الزنازين في عضد الشيخ الذي كره الظلم و كره الصمت على الذلّ، فتحرّك بما تبقّى من أعضاء جسده المشلول يقاوم الاحتلال على كلّ المنابر و في كلّ الساحات يبني جيلاً من الشبان في كلّ أرجاء قطاع غزة، و لم يُعِقْ من حركته و متابعة عمله ملاحقة مخابرات الاحتلال له، و ظلّ الشيخ أحمد ياسين كذلك حتى كان العام 1977م، حيث بدأ خطواتٍ عمليّة لترسيخ العمل المنظّم المتفاعل مع الجماهير قولاً و فعلاً..

يقول الدكتور عاطف عدوان: يمكن القول بكل ثقة إن الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ شكل الأب الروحي لجميع الأعمال الجهادي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، فحب الجهاد والعمل له كان مما ميز الشيخ ياسين منذ بداية قيادته للحركة، بل إنه ذهب في كثير من الأحيان إلى أن يبادر مبادرات فردية تؤكد نزوعه وتشوقه لانطلاق العمل الجهادي، وهذا هو الذي يفسر نجاح كتائب القسام في إحداث تطور سريع وانطلاقة واسعة نحو الأمام، إذ لو لم تلق التأييد الكافي والتشجيع الكبير من قيادة على مستوى قيادة الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ لما توافرت لها الإمكانيات اللازمة والدعم المعنوي الكبير نتيجة للظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها.

إن ما دفع (إسرائيل) لأن تفكر في اغتيال الشيخ المجاهد هي أنها قدرت أنه الشخصية الأكثر دعماً للمقاومة والأكثر إصراراً عليها، ولأن المقاومة في عهده حققت إنجازات كبيرة جداً لذلك أرادت من خلال تخلصها من قيادة الدعوة والأب الروحي للعمل العسكري الميداني أن تفقد الحركة توازنها وقدرتها على الاستمرار

تقول زوجته أم محمد: إن الشيخ كان يشعر في الأيام الأخيرة أنه سوف يستشهد، وأبلغ أهل بيته بذلك، وقال الشيخ: أشعر أنني سوف استشهد وأنا أطلبها، وأبحث عن الآخرة ولا أريد الدنيا.
أما سمية ابنة الشيخ، فقالت: على غير العادة جمعنا والدي _رحمه الله_ أنا وإخوتي قبل استشهاده بيوم واحد، ورغم أن والدي اعتاد ما بين وقت وآخر جمعنا والجلوس معنا إلا أن جلسته الأخيرة هذه بدت أشبه بجلسة مودع، وقال خلالها: إنه يشعر بأنه سوف يستشهد، وأنه يطلب الشهادة.

إن الدعاة إلى الله الذين يريدونها غضة طرية لا ألم بها ولا ابتلاء إنما يخالفون بأمانيهم تلك سنن الأرض والسماء، قال الله _سبحانه_: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين "

ثالثاً: الزهد والكرم والبعد عن شهوات الدنيا:
لقد كانت حياة الرجل بعيدة كل البعد عن ملذات الدنيا وزخرفها وزينتها، وكان قنوعاً عازفاً عن الاستكثار من الأموال والمتاع، وهو في ذلك يقتدي بنبيه الكريم _صلى الله عليه وسلم_ إذ يقول: " ما لي ودنياكم هذه ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها.." وقوله _صلى الله عليه وسلم_: " من جعل الآخرة همه جمع الله عليه شمله وأتته الدنيا راغمة، ومن جعل الدنيا همه فرق الله عليه شمله ولم يأته منها إلا ما كتب له ".
يقول ابن أخيه أبو بلال: لقد كنت جالساً معه في مكتبه، ودخل أحد الزوار ومعه هدايا للشيخ مرسلة من الخارج، ووضعها الزائر على الطاولة وبعد انصراف الرجل أردنا أن تَدخل تلك الهدايا للمنزل، فأمرنا الشيخ أن نتركها مكانها، وبعد وقت قصير حضر زوّار آخرون فوزع الشيخ الهدايا عليهم ولم يُبقِ لنفسه شيئاً.

انتقل أبو بلال للحديث عن المواقف التي تدل على تمسك عمه الشيخ المجاهد وإصراره دائماً على صلاة الفجر في المسجد، وفي تلك اللحظات لم يستطع أبو بلال أن يتمالك نفسه فبكى، وهو يذكر أحد المواقف قائلاً: عندما كان يقيم الشيخ في معسكر الشاطئ خرج لصلاة الفجر برغم أنه كان مريضاً ولم يرافقه حينها أحد، وتعثر الشيخ ووقع وبقي مُلقَىً على الأرض حتى طلوع الشمس.

ومن مواقف الزهد في الحياة يذكر أبو بلال أنهم عندما أرادوا تركيب ستائر للمكتب ومع معرفتهم بأن الشيخ سيرفض ذلك انتهزنا فرصة خروجه، وقمنا بتركيب الستائر، وعندما رجع ورأى ذلك بقي يقرّعنا أياماً عديدة بسبب ذلك، وهو يقول لنا: تكسو الجدران، أليس من الأفضل إطعام فقير بثمن الستائر؟

ويقول أبو بلال: إن هذا أمر طبيعي بالنسبة للشيخ فهو الذي رفض بعد خروجه من السجن عام 1996م العرض بأن يغير مكان بيته إلى مكان آخر يليق به فرفض ذلك وأصر على البقاء في المكان الذي عاش فيه طيلة حياته، وحتى أثناء حدوث الاجتياحات رفض تغيير مكان بيته؛ لأنه كان يشعر بوفاء كبير لكل من يعرفه فكيف بالمكان الذي عاش فيه.
ويقول إسماعيل هنية: كان الشيخ _رحمه الله_ يعد من طبقة الفقراء،وذلك رغم أن أموال الحركة والمتبرعين بين يديه،ولكنه كان تقياً، يخشى الله _سبحانه وتعالى_.
إن الدعاة إلى الله الذين يغريهم المتاع وتغرهم الزينة أولئك أنى لهم أن يبنوا أمة أو يربوا جيلاً إلا جيلاً ينكسر أمام الشهوة ويفتن بكل شبهة!!

رابعاً: الشفقة والرحمة والعطف والصلة ورقة القلب:
لقد كان الشيخ _رحمه الله_ أباً عطوفاً لكل من عايشه، حريصاً على الاهتمام به وإسعاده، والسعي في جلب السرور له وتفريج كرباته وآلامه، وهو في ذلك يضرب مثلاً للدعاة إلى الله الذين ينسون – في زحمة اهتمامهم بشؤونهم الخاصة – أن يهتموا بالناس من حولهم.. وهذا الخلق هو خلق نبوي كريم إذ يقول الله _سبحانه_: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". وقوله _تعالى_ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ".

يتحدث أبو بلال ابن أخي الشيخ عن علاقة الشيخ بأقاربه ووصفها بأنها كانت غاية في المحبة والرحمة، وقال: كان يعطي كل ذي حق حقه من أقاربه وعائلته، فكان يأخذ من وقته المشغول دائماً ساعة أو ساعتين ليختلي بزوجته وأولاده وبناته، وقد كان كريماً مع زوجته يحب دائماً أن يدخل السرور لقلبها، ففي أوقات مرضها وعندما كان يأتي لزيارته د. محمود الزهار أو الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي – وهما طبيبان -، كان حينها ينادي الشيخ على زوجته لتتحدث عن الآلام التي تشتكي منها، وذلك ليُشعرها باهتمامه.
ويشير أبو بلال أن الشيخ كان عندما يرى طفلاً صغيراً يعاني من أي مرض أو يشتكي من أي ألم يحثنا على الذهاب به إلى المستشفى من شدة حرصه وحبه للأطفال، ويضيف قائلاً: لقد كانت معاملته الحسنة تفوق كل تصور، وقد كان دائم الزيارة لرحمه.

وتقول ابنته الكبرى عايدة: الشيخ كان حريصاً على الاجتماع بالعائلة مرة كل أسبوعين، وبأنه كان دائم الزيارة لهم، وإذا لم يتمكن كان يرسل ما قدره الله عليه إلى أرحامه الذين يتعذر عليه زيارتهم.
وتقول زوجته أم محمد: تزوجنا وعشنا حياة سعيدة، وأنجبنا 3 أبناء و 8 بنات قمنا بتربيتهم على خلق الإسلام، مشيرة إلى أن الشيخ كان مثالاً للزوج الحنون الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهي كانت تعامله بالمثل بحيث أشرفت دوماً على حاجاته الخاصة، وتذكر أن الشيخ لم يكن ينظر في مسألة تزويج بناته سوى لاعتبار واحد هو التقوى.
ويقول إسماعيل هنية: الشيخ كما كان قائداً وزعيماً كان إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معاني لقد كان كثيراً يسألني عن بيتي، وإذا ما شكوت له هماً اجتماعياً وجدت عنده أكبر سلوى في ذلك.

ويضيف هنية: كلما أراد أحد منا أن يشحذ همته وعزيمته كان يزور الشيخ واذكر قضية اجتماعية عرضت على الشيخ قبل الانتفاضة وحكم فيها، وكان قبل استشهاده بأسبوع يسألني ماذا جرى في الموضوع فكان يهتم بالناس ومشاكلهم، كما كان في أيامه الأخيرة يوحي بالإسراع لإنجاز ورقة الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية، ووصى أحد الإخوة الذين زاروه بذلك، وكانت هذه آخر وصية سياسية متعلقة بحماية وحدة شعبنا وترتيب البيت الفلسطيني.

خامساً: استعلاء الإيمان..
قال الله _تعالى_: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".
يقول الدكتور إبراهيم اليازوري (أحد مؤسسي حماس): إن الشيخ كان في أيامه الأخيرة لا يعير اهتماماً للتهديد باغتياله، وكان دائماً يقول: العمر واحد والرب واحد.
وأضاف قائلاً: كان يمثل الشيخ قيمة معنوية عالية لنا استنفرت فينا السير على نفس الخطى والتمني للحاق بهم مثلما استشهدوا.
ويقول إسماعيل هنية: الأيام الأخيرة في حياة الشيخ حملت معها معاني عديدة، فقد رجع في المدة الأخيرة للنوم في غرفة قديمة في منزله القديم التي بناها يوم أن سكن في منطقة جورة الشمس بعد أن كان يمكث في المكتب، وكان ذلك قبل 15 يوماً من استشهاده.
ويقول: إنه التقاه قبل استشهاده بثلاثة أيام تقريباً، وما زال نبض الحياة يسري في عروقه وكان حيوياً، ولم يكن قد أثرت التهديدات باغتياله على سير عمله.

لقد استعلى الشيخ ياسين بإيمانه على تهديدات القتل والموت، واستعلى بإيمانه على النفي وترك الوطن، واستعلى بإيمانه على السجن والتعذيب، فأبدله الله مكان الاستعلاء مكاناً – نحسبه – في عليين...