حصاد السنين
9 ربيع الأول 1426

ذات يوم كنت في زيارة إحدى صديقاتي..
ابنة السبعة عشر عاماً.. أمها تصرخ وتشتكي من عدم طاعتها وعدم برها.
الابنة تدير وجهها وترمي حقيبتها على جنب، وتذهب بكبريائها إلى حجرتها.
صوت الأم وهي تصرخ:
أما تريدين أن تسمعي كلامي، لقد أصبح عمرك سبع عشرة سنة..
فكرت في كلماتها.. سبع عشرة سنة! إنني لا ألوم البنت على كبريائها.. ولا يعني ذلك أنني أؤيدها على ذلك فعلاجها غير.. لكن اللوم ليس علاجها..
نعم لقد كبرت البنت وأصبح عمرها سبع عشرة سنة، ولكن كيف كبرت؟ وماذا أثمرت؟
هي أو ابنها الذي يلحقها في السن وتشتكي منه في أحيان كثيرة بسهره أو صحبته السيئة أو عدم بره..
أبدت لي فرحتها بزيارتي لها، وبأنها كانت في همٍّ قد لحق بها، همُّ أبنائها الذين كبروا، بعد أن ترعرعوا في أحضانها...
سألت نفسي: لماذا الهم؟ فالهمُّ لا يأتي إلا بالتعلق، قد تكون قد علقت آمالاً كبيرة بهم ؟!!!
وهنا يكمن منشأ الخطأ.. أن نعلق آمالنا بأبنائنا بدلاً من أن نعلقها بإلهنا..
وهنا يظهر مبدأ الإخلاص.. أن نخلص تربيتنا لهم من كل ما يتعلق بها من شوائب الهوى، وأن نعلقها بكل ما فيه مراقبة لله _عز وجل_ لينشؤوا على مبدأ الإخلاص لله كما ينبغي ويراقبوا الله كما ينبغي..
إنهما حصاد السنين.
نعم..
هي وهو/ شجرة الآن، لكنك أنت التي غرستها وسقيتها
وكل يوم من هذه السنين السبع عشرة هي بمثابة شربة تشربها ابنتك أو ابنك بما رويتهما أنت وزوجك .
حيناً أخلاق، وحيناً عبادات، وحيناً آخر معاملات، وحيناً رابع توجهات... ولا تنسيا أنكما أحطتما ذلك بـ: العلاقات، والعواطف والمشاعر..
علاقتكما بهما وعلاقتهما بكما..
والإشباع العاطفي له دور كبير في لجوئهما إليكما في كل شيء، وكونهما كتاباً مفتوحاً أمامكما في كل حين.
وضرورة الاهتمام بهما في نعومة أظفارهما كان من أهم ما كان يشغل بالكما..
أتذكرين ذلك اليوم الذي كنت لا تبالين تركهما منفردين مع الخادمة أو السائق، وأنت لا تدركين خطورة ذلك..
أتذكرين ذلك اليوم الذي كنت تفتخرين فيه بجمال ابنتك وتختارين لها ما تشائين من اللباس الذي ينافي الحياء الحشمة.
ثم أتذكرين ذلك اليوم الذي كنت تفتخرين بتدليل ابنك وتلبية جميع الرغبات له، وأن والدهما لا ينقصه شيء..
الانضباط في تلبية رغبات البنين والبنات لا يعني نقص شيء من المال أو الجاه لديك..
ولكن يعني تقويم الذات، وغرس الصفات..
و من جهة أخرى كنت لا تبالين بأوقات نوميهما واستيقاظهما، وبكيفية تدريسهما ودراستهما سوى شراء متطلبات المدرسة، أتعتقدين أن الشجرة التي لا راعي لها تثمر؟
تأوهت.. ووضعت اللوم على أبيهما حيناً وعلى الصحبة حيناً آخر.. وكأنها أدركت خطأهما في سنين الزرع..
قلت لها: نحن لسنا بحاجة إلى دواء اللوم.. بل اللجوء إلى الله بصدق وعزيمة هو الخلاص الوحيد مما وقعنا فيه كلنا
ثم: الشعور بالمسؤولية- الاهتمام- الحرص- الانضباط –
من أجل الأمور التي على كل واحد وكل واحدة منا تفهمها،
ويأتي ذلك كله في الحديث الذي رواه ابن عمر- رضي الله عنهما-عن النبي- صلى الله عليه وسلم- : "كلكم راع و مسؤول عن رعيته؛ الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها [وفي رواية مسلم: في بيت بعلها وولده...]، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته" رواه البخاري .