بَوْح مراهق
9 جمادى الأول 1426
فهد السيف

هذا البوح جُلُّه من ورقة قدمها إليَّ أحد الذين يقفون على بوابة الخروج من مرحلة المراهقة، وقد شكا فيها تعامل المربين معه، ولما رأيت صواب كثير مما قاله أحببت نشره، لنستفيد منه سوياً، إما بتصديق قوله، أو على الأقل نحسن التعامل معه بعد فهم نفسيته حتى لو لم نتفق معه في بعض شكواه.

بوح مراهق:
أيها المجتمع الذي يمارس معي ومع أبناء جيلي دور التربية هذه هموم وشكوى لي ولغيري من المراهقين أبوح بها لكم لتعرفوا كيف تتعاملون معي:
• أول ما أريد قوله ومنه تتفرع أغلب النقاط: أنني قد أصحبت رجلاً، وأنتم لا زلتم تتعاملون معي على أنني ما زلت طفلاً، فهلا شيء من الاحترام يرد إليَّ كرامتي!

• كثيراً ما يكون تعاملكم معي بطريقة الاضطهاد، وهذا الأمر يزيد في كبريائي وعنادي! فبإمكانكم أن توجهوا إليَّ شيئاً من التوجيه المختصر بدلاً من هذا الحرمان.

• ويجب أن تعلموا أنني بطبيعتي لا أحب المحاضرات الطويلة التي لا أستطيع الاستماع إلا إلى نصف دقيقة منها فقط على الأكثر، وما بعد ذلك فإن ذهني يتجه بعيداً عن أجوائكم المليئة باللوم.

• كما أن تهديداتكم المتكررة لا تزيدني إلا عناداً، فأنا رجل لي شخصيتي المستقلة، لا تستطيعون التعامل معي بهذه الطريقة العسكرية، وتستطيعون بدل ذلك أن اتخاذ أساليب لينة تتعاملون بها معي كما تتعاملون مع الكبار.

• الرجال أمثالي ليسوا بحاجة أن يسألهم أحد حتى ولو كانت أمه الرؤوم أين قضوا يومهم ذلك، فهذا نوع من عدم الثقة لا أرتضيه، إنكم بهذه الطريقة تضطرونني إلى الكذب والتمويه عليكم، وأظن أنني أعرف أين أذهب ومتى أرجع.

• كما أنني أريد أن أفهم: ما المشكلة في خروجي من المنزل؟ ولماذا تحاولون تضييق الخناق علي؟ إن الذي أعرفه أن النساء هنَّ اللاتي قد أمرن بالقرار في المنزل.

• أعترف أنني –أحياناً- أقع في الخطأ كباقي البشر، لكن طريقتكم في التعامل معي تقطع علي خط الرجعة؛ لأن الاعتراف الصريح بالخطأ شيء صعب، ولا يعني سكوتي أنني لا أعرف خطئي، فبإمكانكم بعد تبيين الخطأ بأسلوب راقي أن تتركوني وشأني لأراجع نفسي، ولا تحاولوا انتزاع اعترافي مني رغم أنفي، فإن بهذا تقفون أمام رجوعي الصامت إلى الحق، فلا تشترطوا عليّ إعلان التوبة.

• حينما أتحدث معكم فإنني أعجب ممن يريد أن أسمع نصائحه وهو يهمش آرائي، ويعتبرها آراء مراهق –كما يزعم- أعتقد أن كثيرا من آرائي تتفق مع العصر الذي نعيشه بخلاف آرائكم العتيقة والتي تزعمون أنها حكيمة! وأظن أنني قد أكون على صواب –أحياناً- فلماذا تعطون آرائي حكماً مسبقاً بالتسرع والخطأ، أم أنكم تريدون –فقط- أن تجعلوني – دائماً أنا المخطئ.

• إن هذا الكبت لآرائي يضطرني أحياناً إلى تعويضها بأي شيء ولو كان سيئاً وذلك لإبراز شخصيتي، وإثبات رأيي، وجعلكم تندمون على هذا النوع من التعامل.

• أنا –كغيري- تواجهني مشاكل شخصية، وطبيعتي أنني كتوم لا أحب البوح، ولعلكم تعرفون –بفراستكم- أنني أواجه مشكلة، فلا تنتظروا مني أن أبوح بما في نفسي لكم؛ لأنني حين أبوح لكم من تلقاء نفسي أحس بأن هذا نوع من الاستنجاد وطلب المساعدة، وأنا أستطيع مواجهة مشاكلي بنفسي، وإن رغبتم بعاطفتكم الأبوية التعرف على شيء من مشاكلي، فإن أسلم طريقة للدخول إلى نفسي هو سؤالي -سؤال المشفق لا الأستاذ- عن حالي وترك المجال لي للتنفيس.

• أحس أنكم لا تفهمونني، والمشكلة أن تظنون أنكم أفهم الناس بي، وتدعون أنني ما دمت ابنكم فأنتم تعرفون كل صغيرة وكبيرة عني، والذي أعرفه أنكم بعيدون عني من حيث فهم نفسيتي، بينما بعض أصدقائي يعرفونني جيداً، لا سيما وأن همومنا مشتركة، وأفكارنا كثيراً ما تتفق، فهم في سني وجيلي.

• ومشكلتكم أنكم أبناء جيل سابق، وتعاملونني على أنني في جيلكم، إن هذا الجيل يختلف تماماً عن جيلكم، إن جيلنا جيل التقنية والتطور، وأيضاً هو جيل الفتن والشهوات، مما لم يكن موجوداً عندكم، أو أن ما كان عندكم من هذه الفتن لا يساوي واحداً بالمئة مما هو موجود الآن، فعليكم أن تراعوا ذلك، وتعترفوا بالفارق الكبير بيننا، ونحن غير ملومين على كثير من زلاتنا.

• إن مما ينبني على هذا أن تعرفوا أن لدي اهتمامات وميول قد لا تتفق مع ما تريدونه لي، فاهتماماتي عصرية وشبابية، وأنتم تريدون لي اهتمامات أخرى لا أميل لها، وأظن أنني لا أستطيع التأقلم معها ما لم يكن لدي ميول أو محبة، وإنني وإن تنزلت معكم وأرغمت نفسي على شيء مما تريدون فإنني لن أستمر ما لم يكن لديّ رغبة في ذلك.

• ومثل هذه الاهتمامات تلك المواهب التي أرى أنني تميزت بها، وأنتم تحاولون وأد مواهبي التي لا تتفق مع ما تريدونه مني، وهذا لا يمكن.

• إن بإمكانكم للتعامل معي في النقطتين السابقتين، أن توجهوا ميولي ومواهبي وتهذبوها، لا أن تقفوا في وجهي، إنكم لن تستطيعوا أن توقفوا السيل إذا انحدر، ولكنكم تستطيعون توجيه طريقه بطريقة مناسبة.

• أخيراً اسمحوا لي بهذه الهمسة التي همس بها لي أحد أصدقائي لأبوح بها إليكم حيث يقول: زوجوني، زوجوني، فأنا أواجه من المغريات ما لا يعلمه إلا الله، فالنساء في الأسواق والمجلات في المحلات، والنت والقنوات وغيرها، كل هذه الأشياء، تستجرنا إلى الوقوع في الحرام، فهلا عملتم على إعفافي، إنني في سن لا أحسد عليه وبحاجة إلى ما يعفني، فإن كنتم قد تزوجتم وملكتم أمر أنفسكم، فلا تنسوا ما يواجهه الشباب.

• أخيراً أشكر كل من قرأ زهقي ونزقي وبوحي وتحمل رفع صوتي، فهكذا هم المراهقون!! نتاج تربية وقدوة.