الوصية الأخرى ما يتعلق بالإخلاص لله _عز وجل_ في جميع شؤونك وليس فقط في العلم أن يدرّب الإنسان نفسه على أن يخلص لله _عز وجل_ في كل شأنه هذا من أعظم الأمور التي تؤدي بزكاة النفس وتجعل الأعمال مقبولة عند الله _عز وجل_ وأيضاً تجعل للأقوال والأعمال أثراً يعني مما نلاحظ في أنفسنا وفي كثير من الناس للأسف أن أقوالنا وأعمالنا ليس لها أثر في الناس وليس لها أثر فيمن حولنا وهذا لعله والله أعلم من أعظم أسبابه ضعف الإخلاص لا أقول قلة الإخلاص، عفواً لا أقول فقد الإخلاص، ولكن أقول ضعف الإخلاص في كثير من الأعمال، إما أن نغفل عن قضية استحضار النية في العمل أو قد يشوبها ما يشوبها من الرياء أو العجب أو ما أشبه ذلك من أدواء القلوب.
فالإخلاص له أثر في قبول العمل عند الله _عز وجل_ وفي أثره في النفس بتزكيتها وفي أثره في الناس فيمن حوله له أثر في هذه الأمور الثلاثة، وهذه الأمور الثلاثة أو هذه المنافع الثلاث يغفل عنها أكثر الناس فأكثر الناس يظن أن الإخلاص فقط له علاقة بقبول العمل نعم هو له علاقة، بل هو أساسه في قبول العمل لكن له نفع آخر في جانبين مهمين وهو في تزكية النفس أن تزكو النفوس أن نلاحظ مثلاً كثير ممن يصلي ويقوم الليل ويصوم النهار ويطلب العلم لكن لا نجد زكاة هذا العمل في نفسه يعني لا تزكو نفسه وتصفو لله ويكون فيه من الخشية والإخبات وتعظيم الله وتعظيم أمره ونهيه كما نشاهده أو كما نسمع به عند سلف الأمة أو خيار الأمة من المتأخرين نجد لبعضهم زكاة النفس ظاهرة عليه في إخباته وخشوعه وخشيته لله _عز وجل_ وكل ذلك بسبب الإخلاص.
وأيضاً المنفعة الأخرى نفع الناس وانتفاعهم بأقواله وأعماله تجد بعض الناس على قلة عمله إلا أنه ما إن يُرى أو يُسمع قوله أو يُرى عمله إلا وتجد نفوذاً في النفوس وقوة في التأثير بشكل عجيب جداً، ولعل من أبرز الأمثلة المشاهدة أو التي أدركتموها شيخنا ابن باز _رحمه الله_ تجد يعني لما تسمع كلامه أو ترى بعض أفعاله تجد أنها أفعال يفعلها كثير من الناس وأقواله يحفظها كثير من الناس، لكن ما إن تستمع لها إلا تجد لها أثراً في قلبك وأثراً في نفسك، لقد استمعنا كثيراً من مواعظه _رحمه الله_ وكلامه لا يعدو على أن يفسر سورة العصر أو يقرأ أو يتكلم بكلام موجود في الأصول الثلاثة يكرره كثيراً _رحمه الله_ ويذكر كلاماً يحفظه صغار طلبة العلم، لكن سبحان الله هذا الكلام وهو يقوله أو يتلفظ به يستمع له الكبير والصغير العالم وطالب العلم وكأنما على رؤوسهم الطير، وهم يستمعون إليه أيضاً تجد له أثراً في نفوسهم وكأنهم يستمعون كلاماً الساعة عرفوه أو سمعوه مع أنه كلام حفظوه مراراً وتكراراً يعني ألقي على مسامعهم لكن لا شك أنه من آثار فيما نعلم ونحسبه والله حسيبه من آثار الإخلاص في ذلك الرجل.
فكلما كان الإنسان أقرب إلى الإخلاص إلى الله _عز وجل_ كلما كانت أقواله وأفعاله لها آثار في نفوس من حوله، بل حتى مجرد العمل تجده _رحمه الله_ وغيره أيضاً من أهل العلم مجرد أن تشاهد صلاته أو مجرد أن تشاهد مجلسه أو تحضر درسه إلا وتجد له أثراً في نفسك، فقط مجرد أن يتسوك بسواكه تجد له أثراً في نفسك، مجرد أن تشاهده حتى وهو يعمل أعمالاً بسيطة قد لا تكون من التعبد لكن تجد لها أثراً في نفسك فكيف بعبادته التي يؤديها أمامك أو تشاهده وهو يتعبد الله _عز وجل_ في صلاته في سجوده وركوعه تجد لها أثراً في نفسك فضلاً عن أخلاقياته وسلوكه بين الناس هذا موجود في هذا الشيخ _رحمه الله_ وفي غيره من أهل العلم وفي غيره من الصالحين فأقول: إن الإخلاص له أثر في قبول العبادة وله أثر في تزكية النفس وقربها من الله _عز وجل_ وإخباتها لله وله أثر أيضاً في إصلاح من حولك وتأثر من حولك.
أيضاً من الوصايا أهمية صلاح الظاهر والباطن والعناية بصلاح القلوب مما يُلحظ أيضاً على كثير منا أننا نعتني كثيراً بصلاح الظاهر، وهذا لا شك أنه مطلوب أن يصلح الإنسان من ظاهره وأن يستقيم بظاهره على السنة لكن أعظم من ذلك أن نعتني بصلاح الباطن، ونعني بصلاح الظاهر الذي يعتني به كثير من الناس يعني يعتني بثيابه ولحيته وطريقة ركوعه وطريقة تحريك أصبعه في الصلاة طريقة سجوده إلى آخر ذلك من أنواع السنن والواجبات التي هي ظاهرة للناس، لكن هناك من يصلح هذا الظاهر وهو أمر مطلوب ويغفل عن الباطن وهو صلاح القلوب وأعمال القلوب أعمال كثيرة وهي عظيمة والباطن إذا صلح صلح الظاهر، وأما الباطن إذا فسد فالظاهر لا قيمة له يصبح رياءً وسمعة أو يصبح لا نفع له ولا بركة فيه.
فعلى العبد أن يحسن ظاهره وباطنه ويستقيم بظاهره وباطنه على سنة النبي _صلى الله عليه وسلم_ فكما يحرص على أدق السنن أن يطبقها وتظهر على جوارحه فكذلك عليه أن يحرص على أن يصلح قلبه فيما يتعلق بمسائل المحبة والخوف والتوكل والرجاء والإخلاص لله _عز وجل_ والبعد عن الكِبْر والعُجب والحسد وما أشبه ذلك من أمراض القلوب فكل ما يتعلق بأعمال القلوب يحرص على إحسانها وإظهارها بالمظهر الحسن لله _عز وجل_ لأن الله هو الذي يطلع عليها بخلاف أعمال الظاهر فالله _عز وجل_ يراها ومطلع عليها وكذلك خَلقه يرونها لكن أعمال الباطن لا يراها إلا الله _عز وجل_ فلذلك من يحسنها ويصلحها إنما يصلحها لله _عز وجل_ لأنه لا يعلمها إلا الله _عز وجل_.
ثم إن صلاح الباطن يكفي معه قليل العمل، ولذلك أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ بإجماع العلماء أنهم ليسوا أكثر الناس تعبداً، بل وُجد في التابعين من أتباعهم من هو أكثر منهم صلاة وصياماً وأكثر منهم بكاءً مع القرآن وأكثر منهم جهاداً ولكن أولئك لا شك أنهم سبقوا العالمين ممن جاءوا بعدهم إلى جنات الله _عز وجل_ ولا شك أنهم أرفع الناس بعد الأنبياء درجة وإن كانوا أقل من غيرهم تعبداً أو عبادة، فمثلاً أبو بكر سيد أمة النبي _صلى الله عليه وسلم_ بعد نبيها هذا الرجل شهد له أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه لم يكن أكثرهم صلاة ولا صياماً ولا قياماً ولا جهاداً ومع ذلك سبق الأمة في الفضل وعدّوا ذلك كما عدّه ابن مسعود ما وقر في قلبه أي من أعمال القلوب.
فعمل القلب لا شك أنه يسبق به العبد كثيراً من أعمال الظاهر، بل يكفي مع عمل القلب إذا صلح يكفي معه العمل القليل ولذلك صلاة واحدة أو ركعتان يركعهما الإنسان مخلصاً فيهما لله _عز وجل_ خير من ألف ركعة يركعها بلا إخلاص وبلا خشوع وبلا إنابة إلى الله _عز وجل_ ولعل معنا حديث اليوم حديث عثمان _رضي الله عنه_ وفي آخره من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه إلا غُفر له ما تقدم من ذنبه فلاحظ ركعتين تُغفر بها جميع الذنوب المتقدمة.
أيضاً ما يتعلق بهذه المسألة أو بوصايا طالب العلم سريرة طالب العلم مع ربه حتى يقوى على مواجهة الفتن وهذا ذكرناه قبل قليل فيما يتعلق بأعمال ما بعد رمضان.
كذلك اطراد الطالب مع العلم والعمل الاطراد مع العلم والعمل هذا أمر مهم، وهذا ملاحَظ أيضاً فينا كثيراً أو في كثير من طلاب العلم أنه مسألة أن يسير على سيرة واحدة ويستمر عليها مدة من الزمن هذا تكاد تجده قليلاً أو قد يكون مفقوداً إلا عند من شاء الله _عز وجل_ فمثلاً كثيراً ما تشاهد الشاب أو طالب العلم اليوم على طريقة أو على منهج أو على فكرة أو على كتاب أو على شيخ أو على أسلوب في طلب العلم ثم بعد سنة واحدة فقط تلتقي به وإذا كثير من برامجه قد تغيرت يعني نظرته فكره أعماله حتى طريقته في طلب العلم حتى الكتب التي يقرأها حتى مشايخه غيّر وبدّل فيهم فتجد الحقيقة قضية الاطراد والسير على منهج واحد لا أقول مفقودة لكنها قليلة جداً يعني القليل من نجده السنة والسنتين والعشر سنوات وهو على طريقة واحدة من سمته وعبادته وخشوعه وعلمه وطلبه للعلم وفكره وأسلوبه يعني الشباب أصبح عندهم نوع من يعني التغيير هذا أصبح عندهم شيئاً ألفته النفوس يعني كل يوم له منهج كل يوم له طريقة وحتى أنك أحياناً تلتقي ببعض الشباب تخشى عليه أن يكون انحرف بسبب كثرة هذا التنقل والتغيير، وهذه مسألة الحقيقة خطيرة.
وينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها يعني من أحسن الأمور أن الإنسان أو طالب العلم يستقيم على حالة واحدة ويستمر عليها هذه الاستقامة على حالة واحدة هي أعظم أو من أعظم أسباب بلوغ الهدف الذي تصبو إليه وهو نيل درجات العلم والوصول إلى ما تصبو إليه من أن تنفع الأمة بعلمك أما المتنقل المتقطع هذا في الغالب لا يصل إلى هدفه الذي يرسمه والذي يريده غالباً مثل هؤلاء ينقطعون ولا يستمرون على ما هم عليه فلذلك من أعظم الأمور التي ينبغي لك أن تعتني بها أن تكون على استقامة واحدة وعلى طريقة واحدة ولا يعني هذا أن الإنسان إذا كان تكشّف له أنه كان أخطأ في أسلوب معيّن ألا يغيره ويستمر على ما هو عليه، لا نعني به ذلك لكن ما هو معقول أيضاً أن طالب العلم كل يوم له منهج وكل يوم له كتاب وكل يوم له أسلوب وكل يوم له فكر هذا الحقيقة يدل على تخبط يدل على أنه يمشي على هواه لو كان يمشي على بصيرة وعلى نور من الله وعلى سؤال أهل العلم وسؤال أهل الخبرة ممن سبقوه ما كان يحدث عنده هذا التنقل لكن لأنه كل يوم على مزاجه وهواه يغيّر من شاء من مشايخه ويغيّر من شاء من أفكاره ومنهجه وأسلوبه حتى سلوكه بدأ يغيّر فيه.
لا شك أن مثل هذا واضح أنه يسير على هواه ما يسير على بصيرة وعلى نور من الله _عز وجل_ فمسألة قضية الاطراد وقضية الاستقامة على منهج وعلى طريقة واحدة بحيث يعني تلتقي بالشخص من عشر سنوات أو عشرين سنة هذا هو فلان ما تغيّر إلا أنه ازداد علماً ازداد تقى ازداد ورعاً لا إشكال في هذا يدل على استقامته على البناء، أما والله أحياناً أنك تواجه إنساناً تتكلم معه وتشعر أنه هذا ما هو رفيقك الأول تغير منهجه تغيرت طريقته تغيرت أفكاره يمكن هذا من أعظم أسبابه كثرة الخوض في الفتن وبالأخص فيما يتعلق بالإنترنت ووسائل الإعلام كل يوم يسمع رأي، وكل يوم يسمع شبهة فتقلب رأسه وأيضاً بُعده عن أهل العلم، بُعده عن طلبة العلم، بُعده عن السؤال والتثبت هذا مما يجعله يتقلّب تختلط عليه الأمور.
الوصية ما قبل الأخيرة الهوى مسلك خطير واتباع الهوى لا شك أنه من أعظم البلايا التي يبتلى بها العبد أن يكون متبعاً لهواه ومسألة اتباع الهوى هذه ملاحظة الحقيقة في زماننا هذا كثيراً تجد كثيراً من الناس في اتخاذه لقراره أو في ترجيحه أو في أخذه لبعض الأمور أو سلوكه لبعض المسالك تجد يغلب عليها الهوى ما يغلب عليها اتباع ما جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_ أو الحرص على أن يتبع ما جاء به النبي _عليه الصلاة والسلام_، تجد يغلب فيها جانب من الهوى فبعض الشباب يأتي ويسترشد برأيك في مسألة من أخطر المسائل في قضايا العقيدة وقضايا المنهج، فتقول قال الله وقال الرسول _عليه الصلاة والسلام_ وهذا مسلك أهل العلم وهذا مسلك جمهور المسلمين وهذا وهذا ثم تفاجأ بأنه ينسف ما قلته له من الأدلة والبراهين والحجج ويقول لك بس لكن كذا، طيب لكن هذه من أين أتيت بها؟ من هواه فقط من الهوى ليس عن حجة أو برهان.
فمثلاً آخرهم قبل أيام جاءني أحد الشباب يناقش في بعض القضايا أو الحوادث الواقعة في هذا الزمن وتناقشه وتبين له بالأدلة خطورة ما هو عليه من مسلك أو خطورة ما هو عليه من أفكار ثم تفاجأ بأنه يقول: لكن، بس، وشاهدنا، ما تشاهد وسائل الإعلام، أنت إذن تمشي على هواك ما تمشي على بينة أو على برهان أنت ما جئت تسأل عن قال الله وقال رسوله يعني الهوى ينبغي للإنسان أن يتخلص منه وأن يأخذ بزمام نفسه ويقودها بقوة على صراط الله المستقيم فأصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان من أعظم ما كانوا يحذّرون ويحذَرون منه مسألة اتباع الهوى، واتباع الهوى قد حذّر الله _عز وجل_ منها وحذّر منها النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأنها من أعظم الطرق التي يؤدي بالإنسان إلى نار جهنم فاتباع الهوى والتعصب للهوى والمنافحة عنه والمجادلة بالباطل بالهوى كل هذه من أعظم الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى الخلل وتؤدي به إلى الضلال والزلل والوقوع في الفتن والشبهات، وعمر _رضي الله عنه_ قَصصه مشهورة في ذلك فكان إذا تُليت عليه الآية أو قيل له قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أحجمت نفسه وتوقف وعلم أنه الآن على مسلك خطير إذا تجاوز ولم يتبع هواه ولم يقل: لكن، وبس، ولكن، ويبدأ يورد عليك حججاً ليست بحجج وإنما هي شهوات وشبهات.
فينبغي للعبد أن يحذر من مسالك الهوى ومسلك الهوى يؤثر حتى على طالب العلم في مسألة الترجيح بين الأقوال والأخذ بالأقوال وحتى على العالم قد يؤثر عليه فليس فقط في حق الشاب أو المبتدئ في طلب العلم فيعني الهوى ومسلك الهوى خطير حتى على كبار العلماء في أن يقعوا في الزلل، فكل إنسان على خطر في اتباعه للهوى.
أيضاً فيما يتعلق بالوصايا الفتوى وخطورة الجرأة عليها وخصوصاً في مثل هذه الأزمنة وخصوصاً أيضاً في القضايا الكبرى للأمة تجد كثيراً من الشباب بدؤوا يتجرؤون على الفتيا والوقوع فيها من غير ما يشعرون يعني بعض الناس مثلاً وأنت تناقشه أو تتكلم معه في مجلس واحد يصدر لك ثلاثة أو أربعة أو خمسة فتاوى هذه الفتاوى لو تُعرض على كبار أهل العلم لتوقفوا فيها وهو في مجلس واحد يقول لك فلان كافر ويجب أن يُقتل فلان أو يجب أن نقاتل أو يجب أن نفعل أو هذا ضلال أو أنت منحرف أو أنت مبتدع لاحظ عدة أوصاف هذه كل هذه الأوصاف فتاوى لكن بعض الناس ما يظن أنه أفتى لازم الفتوى عنده أن يقول هذا حلال أو هذا حرام، بينما أنت لما تقول هذا مبتدع هذا فاسق هذا ضال هذا حلال الدم هذا كافر هذه فتاوى ولو لم تصدرها برقم وتاريخ هي فتوى ما يلزم أنك تقول في بدايتها هذه فتوى أو أفتي بكذا هي فتوى أنت الآن توقّع عن رب العالمين بأن هذا كافر وهذا ضال وهذا منحرف، أو هذا يجب أن نفعل فيه كذا أو يصن جهة من الجهات بكذا أو يوجب على جهة من الجهات أن تفعل كذا أو يحكم في قضايا الجهاد أو قضايا التفكير أو قضايا الأمة الكبرى أو يبدّع في جهات معينة كل هذه فتاوى.
الإنسان ينبغي أن يحفظ لسانه عن أن يخوض فيما لا قِبَل له به وما لا حجة عنده فيه فيلقى الله _عز وجل_ ولا حجة له فالفتوى أمرها خطير ومن تجرأ عليها وأكثر من الخوض فيها حُرم نور العلم وحُرم بركة العلم وقد يكون هذا سبباً من وقوعه في الفتن فضلاً عن المسائل التي هي أقل من هذه القضايا الكبرى كالخوض في مسائل الفقه المعروفة فتجد يعني دائماً يخوض فيها الناس ويقعون في الفتيا وهم لا يشعرون.
آخر مسألة فيما يتعلق بوصايا طالب العلم فيما يتعلق بالشمولية في حياة طالب العلم وأعني بالشمولية أن يكون طالب العلم له حظ من كل شيء من أعمل البر والخير فإن جئنا في باب العلم فهو ميدانه الذي هو منطلق فيه ومتميز فيه عن غيره وحتى في العلم يكون عنده نوع من الشمولية وإن جئنا في الدعوة إلى الله _عز وجل_ له حظ فيها وإن ليس بالضرورة أن يتخصص فيها ويتفرغ لها لكن يكون لك حظ منها، كذلك في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون له حظ فيه وهكذا في سائر أعمال البر سواء الأعمال الخاصة بك من أنواع التعبد أو الأعمال المتعدي نفعها للناس يكون عند طالب العلم نوع من الشمولية أما الانغلاق والتقوقع على أمر معين كالتقوقع على طلب العلم لكن لا حظ في نصرة قضايا الأمة ولا حظ له في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا حظ له في الدعوة إلى الله _عز وجل_ ولا حظ له في مشاركة الناس أعمال البر والإحسان والخير كإغاثة الملهوفين والقيام على الأرامل واليتامى ونحو ذلك.
لا شك أن هذا خطأ وخطر كبير؛ لأن الغالب على مثل هؤلاء أن يستديم انغلاقهم هذا وتقوقعهم هذا ثم لا يكون لهم نفع في الأمة في المستقبل يستلذون الخلوة والعزلة حتى يصبح أبد الدهر على هذه الحال إلى أن يلقى الله _عز وجل_ ثم لا يكون لعلمه ولا لأعماله وأقواله نفع في الأمة فتكون حجة عليه يوم القيامة وأعرف من طلبة العلم ممن هم تقوقعوا مثل هذا التقوقع ولم يشاركوا الأمة في أفراحها وأتراحها ولم يشاركوا مجتمعهم بالدعوة إلى الله ولا الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر استلذوا هذا التقوقع، إلى يومنا هذا لا يدري ما يدور في الدنيا ولا يعرف شيئاً وأكبر همه أن يبحث هذا الحديث ويقرأ في هذه المسألة فقط لكن من حواليه حتى أهل بيته ليسوا منتفعين به هذا لا خير فيه وإن حصّل كثيراً من العلوم وإن حفظ كثيراً من المسائل وإن حفظ كثيراً من الأحاديث هذا لا خير فيه لأن علمه إن لم يتدراكه الله برحمته حجة عليه يوم القيامة ماذا عملت بهذا العلم لم يأمر بمعروف ولم ينه عن منكر ولم يناصح جاراً ولم يدعُ إلى الله _عز وجل_ ولم يقم على شيء من أعمال البر بل حتى أهل بيته لم ينتفعوا بعلمه.
إذن ما فائدة مثل هذا وهذا من أعظم أسبابه أنهم تقوقعوا في بداية حياتهم لما نظرت في سيرة مثل هؤلاء من طلبة العلم أو من بعض أهل العلم وجدت أن من أعظم أسبابها أنهم كانوا في بداية طلب العلم متقوقعين لا يشعرون بمن حولهم ولا يشاركون من حولهم وأنا لا أعني بهذا أن طالب العلم يتفرغ للأعمال الخيرية ولأعمال الدعوة والأمر بالمعروف هذا غير مستطاع وليس هذا هو المقصود لكن أنا أقول ليكن لك حظ من هذه الأعمال ولو شيء يسير تشارك فيه ما بين فترة وأخرى بمعنى أنك لا تقوقع فقط على طلب العلم وتنسى الأمة وتنسى مجتمعك ومن حولك من الناس لا يكون لك معهم نصيب ولا مشاركة ولا شيء من ذلك فتستلذ مثل هذه الحالة ثم يُختم عليك فتصبح على هذه الحال إلى أن تلقى الله _عز وجل_ وهذا الأمر لا أتكلم فيه من فراغ أنا أشاهده وأعرف أشخاصاً مثل هؤلاء حتى أنك تأتي إليهم تريد منهم أن يشاركوا في بعض قضايا الأمة ما تجد عنده أدنى مشاركة بل ولا أدنى مشاعر تتحرك لواقع أمته ومجتمعه.
فنسأل الله _عز وجل_ أن ينفعنا بما نقول ونسمع، وهذه الوصايا هي غير مرتبة ولكن أحببت أن أقدّم بها بعد هذا التوقف وبالأخص بعد رمضان وبالأخص في مثل هذا الزمان الذي كما قلنا كثرت فيه الفتن وكثرت فيه الملهيات فنسأل الله _عز وجل_ أن يسلكنا جميعاً في طريق طاعته والاستقامة على هدي نبيه _صلى الله عليه وسلم_، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.