الحديث هذه الأيام عن المراكز الصيفية ، وتناولها بالنقد اللاذع والحانق ، والمطالبة بإلغائها وإزالتها ونحو ذلك من قبل بعض الكتاب ، هو مثال على سلوكيات التفكير السلبي وطبيعة نظرة بعضنا إلى بعض ، ومثال على ثقافة التناحر الداخلي ، الذي يراه البعض على أنه سلم الوصول إلى الشهرة والمكانة، وهو في الحقيقة مما يَفرَح به العدو ويحسن قطف ثماره ، والتنازع إنما هو نذير فشل وسقوط .
وما لبثنا أن رأينا الهجوم الشرس والمتبجح في الصحافة الغربية ومن يهتف معها على هذا المجتمع ، وإلصاق ما شاؤوا من التهم جزافاً . ولم يرد كيدهم ويزيد في غيظهم إلا التلاحم الصادق بين ولاة أمر هذا البلد وعلمائه وأبنائه _ولله الحمد_ .
ولكننا نجد بين الفينة والأخرى كتاباً من بني جلدتنا وفي صحفنا يثيرون الزوبعة من جديد ، ويوقدون نار التنازع ، ويحيون الفتنة من جديد ، وكأنهم لا يريدون لهذا البلد أن يستقر ولا ليجتمع .
كلما فرح الجميع بانتصار الأمن ، وقمع الفتنة ورؤوسها ، قاموا يوقدون ناراً للفتنة هنا وهناك ، لقد رأيناهم من قبل يتهجمون على المناهج ، ثم على المؤسسات الدينية بل والجامعات الإسلامية ثم حلقات تحفيظ القرآن الكريم ثم أئمة المساجد وخطبائها ثم معلمي التربية الإسلامية ، والآن المراكز الصيفية !
ترى ماذا يريد هؤلاء ؟
ألا يعلمون أنهم بهذا يهتفون مع أعداء هذا البلد ، ويصدقون صحة ما يتهمونه به ؟ أهذا هو دور الكتاب والصحفيين ؟
ثم ماذا يريدون من استهداف المؤسسات الدينية خصوصاً ، أهو تهجم على دين هذا المجتمع ؟ أم ماذا يا ترى ؟!
ثم من المستفيد من هذه الزوابع التي يثيرونها ، والتنازع الذي يحيونه ؟! من المستفيد من تعكير الصفو ؟ وتلفيق التهم ؟ وإثارة البلبة ؟
أم أنه منهج جديد لحل المشكلات وعلاجها ؟! أم أنه اصطياد في الماء العكر ؟ وصعود على أنقاض الآخرين ؟! أم ماذا يا ترى ؟! ولكن كلما أوقدوا ناراً للفتنة أطفأها الله .
والمراكز الصيفية- مدار الحديث - هي ليست حديثة النشأة ، ولا هي إفراز الأحداث ، بل عريقة التاريخ ، أصيلة المنطلقات ، قد تضمنتها أهداف سياسة التعليم ، وتبنتها وزارة التربية والتعليم ، ولها أهدافها المرسومة ، وبرامجها المفسوحة ، وميزانيتها الرسمية، وتشرف عليها إدارات التربية والتعليم ، ومن ورائها مشرفو الوزارة . يزورها المسؤولون والمربون وأولياء الأمور ، وتعلن أنشطتها على صفحات الصحف اليومية ، ويشارك بها مئات المعلمين وألوف الطلاب .
فهي ليست مخابئ ولا أوكار ، وإنما مؤسسات تربوية تقوم بواجبها إلى جنب أخواتها من مؤسسات رعاية الشباب والطلاب في هذا البلد _ولله الحمد_ .
خرّجت عبر تاريخها جيلاً رشيداً فاعلاً منتجاً ، تقلد مسئوليات تربوية ، وأمنية واجتماعية .
و ساهمت في تغطية حاجات شريحة هامة في المجتمع ، ولا تزال قائمة بالواجب ، واقفة على الثغر ، صابرة على الأذى ، محتسبة الأجر ، مخلصة النية والقصد، وآثارها ملموسة ، ونتائجها محسوسة قطفها من دنا منها ، وسمع بها من لم يرها ، وتحدث عنها عدوها ، أو ليست ذات جدوى ؟! أفتكون بعد ذلك مشكوك فيها ؟! زعموا !
ماذا يريد هؤلاء الكتاب _هداهم الله_ من وراء إثارة الزوبعة حولها؟ ألمجرد الإثارة ؟ أم لمقاصد أخرى ؟!
وليس معنى ذلك أنها لا تنتقد ، كلا فهي ليست مقدسة ولا منزهة عن النقص والخطأ حالها حال سواها من العمل البشري، بل إنها بحاجة ماسة إلى النقد البناء والتطوير والدعم والمساندة لتغطية احتياجات الشباب بما يواكب ظروف العصر، فالعاملون بها بحاجة إلى التدريب على أجود المهارات والقدرات القيادية والإدارية والعلاقات الإنسانية، وبرامجها بحاجة إلى تطوير في أساليبها ووسائلها إلى أحدث المستويات وأرقاها تربوياً وتقنياً .
كما أنها بحاجة إلى عملية تقويم علمية وموضوعية ، تقيس مدى تحقق الأهداف ، وتكشف نقاط القوة والضعف في سبيل الإصلاح والبناء المتدرج .
وهي أهل أن تكون ميدان من ميادين الدراسات العلمية والأبحاث التربوية في الجامعات والمؤسسات التربوية .
فالإصلاح الصادق ، والنقد لبناء إنما يقوم على أساس الموضوعية العلمية والتي تبدأ بتحديد المشكلة ووصفها وتقديرها بحجمها وقدرها ومن ثم النظر الدقيق المبرهن في أسباب حدوثها ، ثم الحلول المقترحة والمتوقعة لها ثم تطبيق أفضلها ثم دراسة النتائج وتقويمها .
أما أسلوب التهويش والتشويش ، والتفنن في إلصاق التهم ، وتضخيم الأخطاء والتركيز على السلبيات والتلويح بعصا الإرهاب إنما هو أسلوب العشوائية والغوغائية ، لا تصلح به المجتمعات ولا تعالج به المشكلات ولا يستقر به الأمن، ومع ذلك لا يزال بعض هؤلاء الكتاب يصر على انتهاجه ؟! إن أمرهم لعجب ! حتى وصل الأمر عند بعضهم إلى تهميش قضية الشباب ، وأنه لا داعي للقيام على رعايتهم وتوجيههم واستثمار قدراتهم ومهاراتهم بما ينفعهم وينفع بلدهم ومجتمعهم ! كل ذلك من أجل ألا يكون للمراكز الصيفية حاجة تستوجب الإبقاء عليها واستمرارها ! واعتبر ما تقوم به المراكز الصيفية إنما هو عملية تكويم وتجميع ! أليست هذه مكابر؟ وتجاهل للواقع أو جهل به ؟ أم أن ذلك انسحاب من الميدان وهروب من المسؤولية ؟ !
إذا لم يكن لدى هؤلاء الكتاب الناقمين على المراكز الصيفية وغيرها ليس لديهم ما يقدمونه للشباب من النافع المفيد، فلماذا يغتاظون إذا قام به غيرهم ؟
ثم أين قلم المحرر الصحفي الذي اؤتمن على موضوعية الطرح ، واحترام القارئ وثقافته وفكرهن والحفاظ على مصداقية الكلمة وشرف المهنة ؟ ليميز ما يصلح للنشر وما لا يصلح ، ما ينفع نشره وما يضر .
وختاماً : أحب أن أنبه إلى أنه يجب ألا يولد التطرف تطرفاً مضاداً، وألا يحملنا العنف الممقوت إلى عنف مثله، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فعلينا أن نحافظ على الاعتدال والوسطية، وأن نناقش قضايانا بالعقل والحكمة، ولا يضرنا شنآن المعتدين ، ولا يستفزنا تطرف المتطرفين حتى يوقعنا في النيل من الدين والمتدينين فكلنا أهل دين ، و هذا البلد هو رأس المسلمين ، ومأرز الدين ، وشعاره كلمة التوحيد ، بها يرفرف علمه وتعلو بها رايته، والحمد لله رب العالمين .
===========
* مشرف تربوي – ماجستير أصول تربية
حفرالباطن