تأملات في دموع الفرح
10 رجب 1426
مهنا نعيم نجم

كثيرة هي العيون الباكية، والقلوب الخاشعة، التي تراها في بيوت الله _سبحانه وتعالى_، فما تكاد تنظر هنا أو هناك إلا ورأيت تائباً يبكي ذنبه، وآخر يرجو رحمة ربه، وثالثاً يناجي مولاه، ورابعاً ينادي: لم يبق للعاصي عذر، يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شمس التقوى في قلوب العائدين أشرقي، يا ميزان الأعمال الصالحة ارتقي، يا نفوس الصائمين اقنعي، ويا تائبين اسجدوا واركعوا، يا همم المؤمنين أسرعي، ويا همم المحبين بغير الله لا تقنعي، فطوبى لمن أجاب، وويل لمن طرد عن الباب...

وكثير هم الذين يكتبون كلاماً تبكي منه العيون، وأكثر منهم الذين يسعون لمسح تلك الدموع، فيا ليتهم عرفوا لِمَ تلك العيون تبكي !! تراها لِمَ تبكي ؟!
بكت منذ زمن لكن لم يرها أحد، فبينما كان أصحابها يضربون في مناكب الأرض، يبحثون عن طريق يوصلهم إلى السعادة، اكتشفت نفوسهم أن طريق السعادة طريق وعر حُف بالشوك والمكاره، ولن يصل إليه إلا من رفض الدنيا، فهو يمتلكها ولا تملكه، يعدها جسراً يعبر عليه إلى دار الخلود، ترتسم على شفتيه بسمة عريضة ساخرة بها نفسه ملئت شوقاً، ومآقيه دموعاً، وعزمه إصراراً، شوقه أسرع من دقات قلبه، يدفعه إلى التقدم والمثابرة، يجتاز طريقاً ما أطوله على قصره، يقوم من سباته ويفض همومه، وتهطل دموعه، ويعلو نشيجه، فتخنقه الدموع، يتضرع ويدعو، راجياً عفواً ممن بيده الملكوت، فـيُقبل على العبادة بروح عاشق، يقوم الليل ويصوم النهار، ليطير فكره بعيداً عن هذه الدنيا، يشق الفضاء ويمضي بعيداً، حيث الجنان والحور قد تزينت للأتقياء .
هي أول صلاةٍ له منذ عشرين سنة مضت، لم يعرف للمسجد طريقاً، وغابت عنه حقيقة الخلق، فبكت عينه وخشع قلبه، وارتعدت فرائسه خوفاً من الله ورجاءً إليه .. بكت لما أدركت نفسه أنه راحل لا محالة، ومحاسب على دموعه التي تدفقت على مشهد سينمائي أو مسلسل غرامي أو أغنية ماجنة ... فصرخ في نفسه ألم يأنِ لهذه النفس أن تشبع، وهذه الأذن أن تسمع، وهذا القلب أن يخشع، وهذه العين أن تبكي خوفاً من الله _عز وجل_ ... نعم لقد آن ... فما أجمل البكاء من خشية الله فتلك عين لا تمسها النار .
هدأت نفسه وسكنت جوارحه واطمأن فؤاده لمّا رأى تلك الأفواج تدخل بيت الله – سبحانه وتعالى - لتؤدي ما فرض الله عليها من صلاة وقيام وصيام ... لكن سرعان ما عاد إلى البكاء !!
سألته ما يبكيك ؟! قال : تلك الأفواج التي أتت سريعاً ورحلت سريعاً...